Al Jazirah NewsPaper Sunday  09/08/2009 G Issue 13464
الأحد 18 شعبان 1430   العدد  13464
نحو تفاعل عاطفي أكثر بين الزوجين
عبد الله بن محمد السعوي

 

عندما تتسلل دفقات الدفء نحو عمق الحياة الزوجية فإنها حينئذ تلقي بظلالها الآسرة على الجو الأسري بأكمله، وهذه نتيجة طبيعية فحينما يتعمق الرباط التواصلي بين الأبوين يتشكل جراءه حالة من العلاقات المفعمة بالبهجة التي تضاعف مستوى الانسجام بين أفراد الأسرة وتجعل بناءها

في غاية التماسك. عمق التقاطع الوجداني بين الزوجين تمتد آثاره على نحو ينعكس على الأبناء الذين سيستلهمون تلك التجربة لاحقا وسيجري الحراك الزوجي المستقبلي الذي يمارسونه على ضوء تلك العلاقة التي تشربوها من آبائهم. هناك من الأزواج من يعاني من برود مشاعري قاتل، حيث يبث الكآبة في أجواء الأسرة فرفيقة دربه تشعر بالإهمال وقد تستجدي منه العبارات اللطيفة، أبناؤه أيضا محرومون من الاستمتاع بمحاورته والتشبع بلقائه. وهناك من يحتفظ بشعلة من العاطفة الوهاجة لكنه مع تزاحم المسؤوليات وتلاحُق الأعباء تخبو كلماته الحانية ويبدو كما لو كان جافا خاليا من المشاعر وذلك لعدم إفصاحه عنها. إن الزوجين المحكوم تواصلهما بالتفاعل العاطفي يهيئان من تحت أيديهما للسواء السيكولوجي والنضوج الذاتي المؤهل للسير الايجابي في دروب الحياة. ذلك (التفاعل العاطفي) يتكئ على منظومة من المبادئ سأشير إلى أبرزها:

أولا: النأي عن الأنانية وتغليب المصلحة الذاتية، فثمة بعض الأزواج يتضخم لديه الحس الأناني وتسيطر عليه الروح الفردية فيأخذ ولا يعطي ويستمد ولا يمنح، لا وجود في قاموسه لمعنى الإيثار أو التفاعل مع شريك الحياة، وإن تفاعل فلمصلحة شخصية يتطلع إليها. إن أدبيات الازدهار النكاحي واشتراطات التنعم بالاستقرار الأسري تؤكد على ضرورة التضحية والعطاء والبذل المتجدد. الثنائي الزوجي المتفاعل يهون على كل منهما التضحية في سبيل إسعاد الطرف الآخر وتحمل الآلام في سبيل مدّه بعوامل الهناء، التبادل التفاعلي هو من أسهل السبل السالكة لقلب رفيق الحياة وهو من ناحية انعكاس تلقائي لما يسود بينهما من المشاعر ذات المصداقية العالية.

ثانيا: لتنمية التفاعل العاطفي لابد من الاحترام المتبادل، فكل طرف يعلي من قيمة الاحترام لاهتمامات وميول الشريك مع تعزيز الاهتمامات والهوايات المشتركة وتنميتها بتوفير مساحة زمنية ملائمة لمشاركة كل منهما الآخر، فهذا من شأنه تعطير الأجواء وإحاطتها بأريج الوداد وتحويل الكوخ الصغير إلى قصر في منتهى البحبوحة. حينما يجري الاحترام في عروق العلاقة الزوجية فإنه يحافظ على كيانها بوصفه ماءها وبلسم حياتها الذي بعدم استمراره تكون العلاقة معرضة للتلاشي. شعور الشريك باحترام كيانه يحدوه لتسخير كافة إمكاناته ليحقق جزءا غير قليل من أحلام رفيقه وليرسم الابتسامة على محياه وكل إنسان بطبيعته يتطلع إلى أن يتم التعامل معه في غاية الاحترام وتقدير كينونته بل يستشرف صور الاحترام المثالية لإشباع هذا الجانب الحيوي لديه. احترام الآخرين مطلب ينبغي أن يكون جزءا من سلوكنا العام وليس من باب المجاملة التي نتخفف منها عندما تزول دواعيها. هناك من يحترم غيره ما دامت الخطوط قائمة معه فإذا انبتّت انبتّ معها التهذيب وتضاءلت درجة السمو.

ثالثا: ضرورة مراعاة كل طرف للظروف التي يمر بها الآخر. شيء رائع جدا أن يضاعف الرجل درجة تلطفه مع المرأة إبان مرورها بالدورة الشهرية أو الحمل أو النفاس فنفسية المرأة في تلك الأحوال تعتريها التغيرات وتحتاج إلى الحنو عليها والرفق بها وتقدير ظرفها الصحي. بعض الرجال لا يفرّق بين أحوال المرأة بل يتعامل معها بوتيرة واحدة طيلة أيام السنة دون ملاحظة ما يطرأ عليها من ظروف تفضي إلى تقلبات مزاجية؛ أيضا هي الأخرى يفترض أن تراعي ما قد يمر به زوجها من توترات يتكتم عليها بالتحفظ عليها، فالرجال غالبا عندما يواجهون المشاكل يلوذون بالصمت وهذا الصمت مما يؤلم المرأة التي تتفانى في سبيل أن يفضي إليها زوجها بمكنون ذاته وما يساوره من أرق وعندما تلجأ إلى سؤاله قد تبالغ في إحراجه على نحو لا يزيده إلا انطواء وتحفظا على حيثيات آلامه، ولذا فمن المفترض هنا ألا تمضي في إلحاحها بل تعمل على إرجاء ذلك حتى يصفو ذهنه ويسترجع لياقته السيكولوجية وحينها بالإمكان أن تستفسر منه وبكل لباقة عن دوافع صمته وأنه سبب لها الكثير من القلق وتخلق له المناخ الوجداني الذي يحدوه للبوح عما يختلج في كيانه.

رابعا: إيلاء الهندام المزيد من العناية الإضافية، فالعين سبيل للفؤاد فإذا حاز على إعجابها منظر استدعته نحو القلب ومن ثم تتشكل المحبة والعكس كذلك فإذا امتد بصر أحد الزوجين إلى شيء يستقبحه فإن العين تمتص ذلك المنظر محل التقزز عابرة به إلى القلب ومن ثم تأخذ إرهاصات الاشمئزاز بالتكون. عندما تقع العين أو الأنف على مالا يروق لهما فإن القلب يتفاعل مع ذلك فتنجم عنه مشاعر سلبية مضادة، الشأن الذي يقتضي ضرورة مراعاة الأمور الشكلية والظهور بأجمل صورة وبدرجة عالية من الأناقة ولاسيما من قبل الزوجة فتحرص على أن تبدو بكامل زينتها فتبحث عن أجمل الأزياء والاكسسورات وأزكى العطور وأرقى مبتكرات المستحضرات التجميلية وانتخابها بعناية لما لذلك من انعكاس إيجابي على مشاعرزوجها. أيضا الرجل هو الآخر مطالب بالتجمل فالملابس المهلهلة والشكل المهمل والهيئة الرثة والرائحة الكريهة والشعر المبعثر لا يولد إلا الشعور الشديد بالامتعاض الذي يتعسر محو إفرازاته. بعض الأزواج يأوي إلى مخدعه متعاميا عن معاهدة ما ينبعث من فمه وإبطيه من روائح منتنة تزكم الأنوف وتكتم نَفَس الزوجة وتصيب الجو المنزلي بالتلوث!. العناية المعتدلة بالهندام تضفي وضعية مزاجية من نوع آخر حيث تحيط الإنسان بمشاعر جياشة تضيف إليه الكثير من الجاذبية ويرفل جراءها بومضات مكثفة من الجذل.



Abdalla_2015@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد