Al Jazirah NewsPaper Sunday  09/08/2009 G Issue 13464
الأحد 18 شعبان 1430   العدد  13464
لبنان بين لعنة التاريخ ولعنة السياسية
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

 

قد تكون السياسة نعمة وقد تكون نقمة على أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية في أي عصر من العصور حتى وإن وصل الإنسان إلى قمة التحضر والرفاهية في العصر الحديث. لأنها (أي السياسة) سلاح ذو حدين قد تفتك بمن يسيء استخدامها أو يجهله، ولكونها الوسيلة التي تحقق الأهداف والمصالح والغايات بأقل تكلفة ممكنة ولربما دون أي تكلفة تذكر.. هذا إذا ما عرف وأجاد من يمارس لعبتها قوانينها وأمتهن ممارسة تلك اللعبة.

لن يغيب عن الحقيقة صدق القول إن حاضر السياسة لن يختلف عن ماضيها، فإن أسيء استخدامها أو توظيفها في أي مواقع من مواقعها، أو على أي مستوى من مستوياتها (خصوصا على مستوى تفاعلات الكبار أو النخب السياسية)، فإنها تضر بشكل خطير، بل ترد لمن أساء استخدامها الكيل بمكيالين. وإن أحسن استخدام السياسة وتوظيفها وفقا لمنطقها الطبيعي ونواميسها المعهودة فإنها تنفع أيما نفع وتفتح المجالات برمتها والخيارات كلها أمام من أحسن استخدام لعبتها.

ينطبق هذا المنطق إذن على السياسة الداخلية في لبنان منذ أن حصل على استقلاله، حيث كانت السياسة فيه قبل نشوب الحرب الأهلية اللبنانية في قمة مستواها السياسي المؤسساتي الرفيع حتى ضاهت مثيلاتها في أوروبا وأمريكا. لكن السياسة تلك وصلت بفعل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975م إلى أدنى مستوياتها لتنحدر إلى مستوى التصفية الجسدية لكل من لا ينتمي لهذا المعسكر الطائفي أو ذاك.

أسباب نشوب الحرب اللبنانية كثيرة، تتصدرها معضلة التبعية والانتماء للقوى الخارجية والطائفية المطبقة، وهذه وحدها لعنة التاريخ مصحوبة بلعنة الجغرافيا (الحجم الصغير) التي تخض عنها في كافة العصور خصوصا في العصر الحديث لعنة السياسة، فلبنان كان معقل الجيوش الصليبية، ولبنان كان محط أنظار الدول الأوروبية (خصوصا فرنسا) وموطنا لرعاياها ورعايتها، وهدف استراتيجي من أهداف مناطق نفوذها.

ولبنان أصبح منذ أحداث ايلول الأسود ملاذا شبه دائم للاجئين الفلسطينيين، ومن ثم جاء حامي للحدود السورية مع إسرائيل، ومرتعا للنفوذ السوري لمواجهة إسرائيل، وأخيرا أصبح الجنوب اللبناني وتنظيم حزب الله وسيلة تتلاعب بها إيران لمواجهة خصومها وأداة تهديد لكل من يعارض سياساتها في تلك المنطقة.

صحيح أن لبنان الذي غرق في الحرب الأهلية قرابة خمسة عشر عاما من الزمن تعلم الشيء الكثير من تجارب وويلات تلك الحرب، لكن الذي يبدو أن النخب السياسية الحاكمة التي تتصارع من خلال مرجعيتها الطائفية على السلطة، لم تتعلم حتى الآن دروس الماضي ولا ضرورة مصلحة لبنان على أي مصالح طائفية أو مذهبية أو شخصية.

تبعا لذلك لربما تأتي تصريحات السيد وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني الأخيرة التي هدد فيها بالخروج على حلفائه في (قوى 14 آذار)، خصوصا على (تيار المستقبل) لتعكس ذلك الواقع اللبناني المعقد، ولربما قد تكون القشة التي تقصم ظهر البعير. فالتصريحات كانت بالفعل غير متوقعة، بل ومدعاة للدهشة والاستغراب بمعايير السياسة الحالية اللبنانية بعد أن انقسمت السياسة في لبنان إلى قسمين: الممانعة والموالاة منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

تلك التصريحات لاقت الكثير من التساؤلات إلى حد الانتقاد وأحدثت شرخا بالغا في تحالف (14 آذار) بيد أن وليد جنبلاط عاد مرة أخرى ليراوغ نافيا ما استنتجه البعض من تلك التصريحات وبأنه لن يجرح زعيم حزب المستقبل سعد الحريري.

رغما عن هذا من الواضح أن التحالف اليميني اليساري لقوى (14 آذار) لن يعود مرة أخرى إلى سابق عهده، فمرواغات وليد جنبلاط السياسية لم تكن في حينها، وصحوة العروبة جاءت في الوقت الضائع، هنا مكمن السياسة وغايتها، وهنا موطن الخطأ الذي قد يؤدي إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء الجسيمة.

وهذه تحديدا مشكلة لبنان ولعنته السياسية والتاريخية، فلعنة التاريخ ومعها لعنة الجغرافيا، وأيضا لعنة الحجم الصغير تعززت قبيل نشوب الحرب الأهلية اللبنانية بلعنة السياسة الطائفية وإن ساهمت الأخيرة في تعزيز وتوطين اللعنات الثلاث. وها هو الصراع على الحقائب الوزارية، وشعار (لبنان أولاً) وعواطف العروبة الكاذبة تشعل فتيل الخلاف بين الزعماء التقليديين، ولربما الأخير قد يعيد بوصلة التحالف وترتيب الحسابات القادمة على اطلال الحسابات الحالية.

لقد دفع لبنان ثمنا غاليا من أجل حفنة من المصالح الفردية والخارجية، وها هي مراوغات وليد جنبلاط ولعبه على متناقضات واهية تعيد لبنان مرة أخرى إلى واجهة الصراع المرير والاقتتال العقيم على السلطة الطائفية أو المذهبية، أيا كانت تلك فمن يدفع ثمن ذلك التلاعب هو لبنان وشعب لبنان وحده.

www.almantig.org



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد