Al Jazirah NewsPaper Sunday  09/08/2009 G Issue 13464
الأحد 18 شعبان 1430   العدد  13464
الشعر ضحية ومطية!!
يوسف بن محمد العتيق

 

سبق أن تكرر في هذه الزاوية، ومثله في هذه الصفحة الحديث عن الاستثمار السيئ للمقدرات التراثية وتطويعها لخدمة أهداف؛ فلا يجوز أن نقدم المنتج التراثي بهذه الصفة حتى لا تكون مقدراتنا التراثية في موضع التهمة أو الإساءة أو طلب البعض الاستغناء عنها أو تهميشها بسبب سوء تصرف من فرد هنا أو هناك مع أن هذا الفرد لا يمثل هذه المقدرات أو المهتمين بها، بل يمثل نفسه، فهناك - على سبيل المثال - الاستخدام السيئ للوثيقة المحلية أو الوثيقة بشكل عام في القدح في هذه الأسرة أو تلك القبيلة أو تلك المنطقة، أو مدح الذات والأسرة بما ليس فيها، وهذا أمر نشاهده - للأسف - عند الحديث عن بعض الوثائق المتداولة، مع أن الوثيقة قد لا تخدم صاحبها، لكن البعض يلوي عنق الوثيقة وما ورد فيها من كلمات من أجل خدمة ما يدور في ذهنه، وهناك من يتاجر بتحريف النصوص الواردة في الكتب التاريخية لأجل تغيير أو تزوير في تاريخنا المحلي لإعطاء نفسه أو الآخرين بطولات لم يقوموا بها(!) ومثله من ينقل أو يستشهد بكتب تاريخية مزورة ولا قيمة لها لأهداف في نفسه، مثل ذلك المتاجرون بكتاب إمتاع السامر للحديث عن هذا المجتمع بما لا يصلح.

وأحسنت كثيرا دارة الملك عبد العزيز في تصديها لهذا الكتاب وبيان ما فيه من خلط وغلط، وذلك عن طريق تحقيقه وبيان ما فيه من دس للسم في العسل عن طريق حواش وتعليقات متقنة قام بها متخصصون في تاريخنا المحلي، بعد إبراز النص للقارئ، وهذه شجاعة تشكر عليها الدارة ومن قام بهذا الموضوع.

ومثل ذلك من يعرض أو يبرز قِطعا تراثية ليضحك على السذج بأنها من الآثار النبوية أو من بقايا الدولة الأموية أو العباسية، أو أنها من إرث هذه الشخصية التاريخية أو ذاك القائد، مع أنه يعلم يقينا أنها قطع حديثة مصنعة هنا أو هناك من قبل بعض أذكياء المرتزقة؛ وذلك لأجل الكسب المادي وتزوير حقائق التاريخ.

ومن أجمل المقدرات التراثية التي أصبحت مطية وضحية لدى بعض ضعاف النفوس هو الشعر (بشقيه الفصيح والشعبي) الذي تتفق النفوس على الطرب له والاستمتاع به.

إلا أن البعض جعل من هذا المقدر التراثي وسيلة لتصفية الحسابات من بعض مكونات المجتمع السعودي الكبير سواء كان هذا المستهدف الوطن بأكمله، أو قبائله، أو أسره، أو مدنه وقراه، وهذا ما لا نرضاه جميعا، ويجب أن نتعاون جميعا للوقوف في صف من يستخدم مقدراتنا لجعلها مطية لأهدافه.

من ضيوف وراق الجزيرة هذا اليوم للحديث في هذا الموضوع المهم الشيخ بدر بن نايف الضيط، الذي يحفظ له الجميع موقفا وطنيا كبيرا وفي مجمع عام ومحفل كبير حين قاطع أحد الشعراء ولم يسمح له بمواصلة إلقاء القصيدة حين وجد أن هذا الشاعر يحاول أن يمس اللحمة الوطنية بالإساءة إلى الآخرين، وهذا ما يذكر فيشكر ويقدر للضيط.

ومثله الأستاذ عبدالله بن محمس الذي ألّف كتابا كبيرا عن قبيلته تحت مظلة الوطن الكبير (المملكة العربية السعودية) وأخذ على نفسه ميثاقا ألا يستشهد بالشعر الذي فيه (جدي ذبح جدك) وخالي فعل بكم كذا وكذا. وتاريخنا أفضل من تاريخكم ونحن غزونا آل فلان وقتلن منهم وذبحنا، وغيره من شعر الدماء والقتل والفخر والذم للآخرين، وما فعله ابن محمس أمر في غاية الصعوبة، ولا يقدر عليه أي باحث كون الكثير ممن يكتب في التاريخ المحلي والأنساب لا يستغني عن هذا الشعر مع الأسف، لأنه في بعض الأحيان يكون مصدرا للتوثيق عند البعض لعدم وجود غيره من المصادر والقرائن التاريخية.

وليس بعيدا عن موقف هذين الرجلين موقف زميلنا الدكتور عثمان المنيع وزملائه من أهالي بلدة القصب بمحافظة شقراء حين قرروا وبشجاعة وموقف أخلاقي كريم أن يقوموا بتنظيم ندوة مستقلة عن شاعر بلدتهم حميدان الشويعر للحديث عن شعره وبيان ما تصح نسبته له مما ألصق زورا وبهتانا بهذا الشاعر الكبير وأصبح مطية لعصبية مناطقية يقوم كل أهل بلدة بنقد البلدة الأخرى من خلال شعر ينسب له وقد تصح نسبته له، وقد لا تصح مع أن هناك الكثير من المرجحات بأن حميدان لم يقل هذا الشعر الذي يسيء إلى عشرات القرى والبلدان؛ لأنه وباختصار هل يمكن أن ينتقد كل هذه القرى وبعضها لا تبعد عن بيته سوى أمتار ثم لا يتعرض لأي محاولة استهداف مع أنه عاش في فترة كان ينعدم فيها بالأمن ولا يستطيع الإنسان الطبيعي أن يخرج إلى مصلاه إلا وهو متسلح، فما بالك بشاعر قد هجا القريب والبعيد، وهذا ما يجعلنا نستبعد صحة بعض ما نُسب له من أبيات وقصائد، ولعلها تكون مضافة إلى شعره بعد وفاته ممن يريد أن يصفي حساباته مع الآخرين بقصيد حميدان الشويعر، عفا الله عن الجميع، وتلك فترة خلت وليس لهم حق على من بعدهم إلا بالنقل الجميل والانتصار لهم وفق المنهج السليم بتبرئتهم مما ألصقه بهم الآخرون، وكان شعر حميدان ضحية ومطية.

ختاما: الشعر باق في ديوان العرب، ولا تضره هذه الإساءات، ولا يعني أنه شعر باق أن نسكت عمن يريد استثماره استثمارا سيئا بل من الواجب الذود عن حياض الشعر (الواجهة الكبيرة لثقافتنا العربية)، والأداة التراثية لإيصال الكثير من أخبار المتقدمين إلينا.

للتواصل


Tyty88@gawan.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد