Al Jazirah NewsPaper Tuesday  11/08/2009 G Issue 13466
الثلاثاء 20 شعبان 1430   العدد  13466

الوِدُّ بين الناس دستور أمن وسلام
د. عبد المحسن بن عبدالله التويجري

 

قال لصاحبه إنني أحس نحوك بمشاعر ود واحترام، فقال له صاحبه: وأنا كذلك، وما تحسُّ به يشابه إحساسي، وعميق مشاعري تنبض به وتُؤكّده.

ألا ترى أنني وأنت نتبع ما وجّه به الرسولالكريم - صلى الله عليه وسلم - من خلال هذه الأحاسيس الفياضة، حيث قال -صلى الله عليه وسلم- ما معناه، إنك إذا أحببت أحدا فأعلمه...

قال: الحمد لله على هذا الإحساس النبيل الذي يحمله بعضنا تجاه بعض، إننا نسير وفق توجيه كريم، ذلك التوجيه الذي يقوى به المجتمع، وعسى أن يكون نواة لخير ما فينا نحو الآخرين، فمن خلال هذه المشاعر نحس باستقرار وبهجة، كما أحس أنا بدفع قوي تجاه الغير، وتقديم خير ما عندي لهم.

إن إحساسي بمشاعر كتلك ينتشر في نفسي ويؤثر على سلوكي فتزول معه، أو تتقلص مشاعر الكراهية وفعل الحقد والحسد والغيرة، فمشاعر كتلك تفجر قوى فاعلة بكل ما هو خير ومتميز في التعامل مع الغير، فإن صفاء الطريق الدال على علاقة إنسانية سواء تمثلت في صداقة أو مجرد معرفة عامرة بالحب، والإحساس بها والنيّة بفعل تؤكده نتائجها الرائدة، فإن هذا أمن وسلام لأبناء المجتمع.

إنك واجد أن مكان هذه المشاعر من نفسك قد سكن على القمة من المشاعر المضادة؛ فهي في حالة من الكبت ومدفونة بقوة هذه المشاعر الإيجابية، فقد قال الله سبحانه وتعالى ووجه بما هو أسمى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

إنه توجيه يؤكد أن لا يصدر منا ما يزعج الآخرين، أو يجرح مشاعرهم حتى وإن صدر منهم ما نكره، وأن نلتزم بالصبر والتسامح. إن تلك المشاعر دافع لانطلاق خير ما فيك وبأثره على الآخرين ينعكس عليك بالرضى، فتقوى به نفسك لتعطي المزيد.

إن مشاعر الكراهية وما تحمله هوامشها من استعداد للحقد والحسد أيضاً لها انعكاس على النفس يولد الكآبة والقلق والفوضى في النفس والعقل، ومن يعاني منها تجده في ركن تحيط به السلبية التامة، فالمجتمع والناس في حذر منه، وهم يحيطون بدواخل نفسه في معظم الأحيان، فهو طاقة تهدم ليس لها مشاركة فعَّالة في بناء المجتمع وعملية تطوره.

إن قوى خير في النفس لها أثرها وتأثيرها على النفس متى فعّلنا المحتوى منها نحو مسيرة خير وعطاء، وبالإيثار نحس بكثير من البهجة والرضى، وأظن أن الحديث الذي يبدأ التوجيه فيه بأن الأعمال بالنيات، وأن الاعتقاد به يوجه قوى كامنة في النفس لتقود العمل نحو الحق ونحو خير ما يؤدي إليه بأثر النيّة بين الوعي والإرادة.

ألا ترى أن جملة من أفعال تحركها أحاسيس وانفعالات داخل النفس تظهر بالسلب أو الإيجاب فيما يحس به، أو يفعله أحدنا وفق ما انعقدت عليه النية.

إن الثقة بالنفس تقوى أو تضعف بمقدار المخزون من الممارسة والذكريات المترسبة في أعماق النفس ومن انطوت نفسه على النيّة بالخير وممارسته هدأت نفسه واطمأن فؤاده، كما أن ما بيننا وبين الناس هو عقد متفق عليه يبدأ مفعوله مع كل تفاعل بيننا. وهذا العقد قد أعُد من خلال المعتقد المشترك والقيم والعرف والتاريخ، إنه عقد فعّال غير مكتوبة صفحاته، ولكن الاتفاق عليها من كل أبناء المجتمع ضمناً؛ فهو وسيلة بها تأسست وشائج كل علاقة.

إن ما تدفع به المشاعر المفعمة بالود تؤدي إلى احترام الطرف الآخر واعتبار ذاته وكل كيانه، ولهذا أثر محمود على نفسه ويدفع به نحوك ونحو ما تمثله مشاعرك؛ فيعطيك ما تعطيه ويبادلك بالشيء نفسه، فأنت وهو لبنات من الخير في أساس المجتمع. وهنا أتذكر حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول: (لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).

وقول الشاعر:

وما اكتسب المحامد طالبوها

بمثل البشر والوجه الطليق

وشاعر آخر:

إذا كان الكريم عبوساً وجهه

فما أحلى البشاشة في البخيل.

سعيدٌ من انطوت نفسه على مشاعر غنية بالحب، عامرة بالود.

إن تعاليم الدين الحنيف والقيم العليا حلقة وصل مع النفس والناس، ومصدر لطاقة من الحب، وقيم الحياة؛ حيث توجه إليه، فحين يسود بأثره بين أبناء المجتمع الواحد، فهم إخوة يحس كل واحد منهم بمعاناة الآخر ليقدم ما لديه من عون، ويقف من ذلك خير موقف بأجمل ما تنطوي عليه النفس، وأظننا بهذا قد أكدنا على قيمة ومعنى فتسمو الحياة ويتميز الوجود الذي يعتقد بها ويمارسها.

والله الموفق.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد