Al Jazirah NewsPaper Tuesday  08/09/2009 G Issue 13494
الثلاثاء 18 رمضان 1430   العدد  13494
مع الله: معية التأمل والاستعلام والعبادة 1-2
د. حسن بن فهد الهويمل

 

تفضّل أخي الكريم الأستاذ الدكتور (سلمان بن فهد العودة) وأهداني على عادته آخر إصداراته (مع الله الاسم الأعظم وقصة الأسماء الحسنى) الذي انتهى من تأليفه وتنقيحه يوم عرفة من العام المنصرم،

(وأبو معاذ) أعاذه الله من شر حاسد إذا حسد، إضافة إلى أنه شخصية (كارزمية) متى شرع في الكتابة ابتداءً أو اقتفاءً عن أي موضوع، فإنه يترك أثراً حسناً وإضافة مفيدة، ولاسيما أنه على علم بمن تناولوا الذات الإلهية وعلى بصيرة بمدى اختلافهم حول العلاقة بين الذات والأسماء: اسماً ومسمى وتسمية والذات والصفات: السلبية والإيجابية، وزيادتها عن الذات أو تماهيها معها وارتباط ذلك كله بعلم الكلام الذي زلّت به الأقدام وضلّت به الأفهام وكفَّرت به كل نحلة مخالفيها، مع أنّ التفكير في المخلوقات أجدى وأهدى من التفكير في الذات الإلهية، وهو في هذا الكتاب الذي يقع في صميم هذا العلم الخطير لم يشأ الخوض في لجج الخلاف الذي هلكت به أمم وهفت به ذمم.

والمتفضلون عليَّ بالإهداء يقيدونني بإحسانهم (ومن وجد الإحسان قيداً تقيدا) ورجل مثلي عشقه الكتاب بحيث لا يعزب عنه إلاّ ما ندر قد لا يكون الإهداء مهماً بالنسبة له، إذ ربما يكون الكتاب المهدى من باب تحصيل الحاصل، والغُرُفَات الملحقة بالمكتبة مُلِئت كتباً قد لا تقوم الحاجة إليها، غير أنّ هذا اللون من الكتب يجد فيها المتلقي راحة نفسية، لأنه يعيش معها في ملكوت السماوات، وبخاصة أنّ الإهداء جاء في الوقت المناسب، ففي رمضان أكاد انقطع لحقل التفسير وعلوم القرآن، ولأنّ الكتاب يبحث في الذات الإلهية المنبثة علومها في الكتاب والسنّة، فقد أحسست بالرغبة الملحّة في استعراضه والتعرف على منهجه ومقاصده، وماذا يريد المؤلف توصيله إلى المتلقي، وحَرِيٌ بمثله أن يتخذ هذا السبيل فنحن في زمن غارق إلى الأذقان في الماديات المحكومة بالعقل والعلم التجريبي، ومثل هذه الكتب تنفث نفحات إيمانية وروحانيات يسترخي المتوترون في أفيائها متى اتقى المؤلفون معاضلة الفلاسفة وسفسطة المهوُوْسين بالجدل العقيم.

والكتاب الأنيق في إخراجه وطباعته نيف على الثلاثمائة صفحة، والخطة والمنهج فيما يبدو لي لا يحملان هم تحرير المسائل ولا تأصيل المعارف ولا الخوض في معامع الملل والنحل، إذ الكتاب عبارة عن خواطر إيمانية أراد منها المؤلف كما يقول انتشال الفتية والفتيات من المماحكات الوهمية، ولأنّ مَوْضََعَة الذات الإلهية من معالي المسائل، فقد رغب أن يغمسهم فيها ليعبوا من معينها الصافي من شوائب الفرق الضالة، وإن كانت له إلمامات وإيماءات لإجهاض شرور الفكر وانغلاقه وتعصبه، وكنت أود لو أطال في المقدمات والمداخل لأنها تمثل معتصر المختصر وهو الخبير بمداخل علماء الكلام وما اقترفوه من جنح قاصمة تمس الذات الإلهية من حيث الجوهر والجسم والجهة وعلاقة الأسماء والصفات والرؤية والكلام وسائر متعلقات الذات، وهو قول تقشعر منه الجلود، ولأنه من المطارحين للأفكار الملمين بتقلباتها المنقبين في طياتها، فقد أراد لهذه المبادرة أن تكون علاجاً لسلبيات (الفكر وطموحه وغروره وتضخمه واندفاعه أو تطرفه وتزمته وضلاله) على حد قوله. وتفاؤله بمثل هذا العمل يمتد ليكون علاجاً ناجعاً لكل (مشكلات الحياة وهمومها وغمومها ومتاعبها وعقباتها النفسية والصحية والوظيفية والزوجية والدراسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية) ص 8. وأحسب أنه زاد في تفاؤله بَسْطة، وأسمعنا بعض إطلاقات المتصوفة الذين يقطعون بحلِّ مشاكل الكون بنفثة أو نفخة، وعلى أية حال فإنّ له حق التفاؤل العريض وعسى أن يحجب الله له ويحقق تطلعه، ولعله ممن إذا أقسم على الله أبره وفضل الله واسع ومَطِيَّةُ الإنسان نيته فإذا حسنت ذلت لها الصعاب وصاحبنا نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً.

والكتاب بجملته اقتفاء لأثر من سلف من العلماء الذين عنوا ببسط القول عن الأسماء الحسنى وهم كثير منهم المصيب وكثير منهم ضلوا سواء السبيل وهو يقف خلف طابور من الأعمال المماثلة التي أشار إلى بعضها واستفاذ من بعضها، وكنت أود ثبتاً بالمراجع والمصادر وتقويماً موجزاً لها، وإن جاء ذكر لبعضها في الهوامش، وكثير من النصوص الشعرية لم تنسب وإن كان غالبها من النظم العلمي.

وحقل (الله) جل جلاله في مكتبتي زاخر بالكتب، والمفيد منها والضار فأنا على مذهب (حذيفة بن اليمان) رضي الله عنه، الذي يتقصى الشر بالسؤال عنه مخافة أن يقع فيه. وكل مؤلِّف مشدود بأمراس كتان إلى مذهبه العقدي ومن ثم لا تجد مؤلفاً بريئاً من السعي الدؤوب لإبراز رؤيته: سلفية كانت أو غير ذلك، والتفكير في الذات الإلهية تفكير في عالم الغيب ومثله لا يزيد الباحث إلاّ إغراقاً في الوهم. والمقاصد الإسلامية تدفع إلى التفكير في مخلوقات الله لأنها الدالة على عظمته (وفي أنفسكم إفلا تبصرون) والله جل وعلا يقول: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ} ولم يقل في نفسي لأنّ الله لا تدركه الأبصار إدراك إحاطة، وما لا تدركه الأبصار لا تدركه العقول، وعلى الرغم من كل التحفظات تسلّمت الهدية القيِّمة، ولم أشأ وضعها في حقلها قبل أن استعرض المقدمة والخاتمة والفهارس وهي المفاتيح الأولى للتعرف على الأعمال وتقويمها، غير أن حُسْن العرض وإشراقة الأسلوب لا تقف بي عند المُعَرِّفات الأولية، فمكانة المؤلف وشرف الموضوع ومناسبة الوقت جعلتني انتبذ من مشاغلي مكاناً قصياً وأنغمس في الكتاب انتقي بعض الأسماء ذات الجدل الكلامي وأتقصى ما تدل عليه، ولأنّ المؤلف لم يشق على نفسه ولا على قرائه فقد جاء حديثه خطرات وخواطر، وكان بودي وهو الخبير لو رد بعض الشطحات الصوفية وبعض الانحرافات الفكرية وبخاصة جنحة المفكر العربي (حسن حنفي) العقلاني المتطرف في عقلانيته والفيلسوف العميق في فلسفته والعالم الشمولي في علمه، لقد أثار ضجة حين نفى بعض الأسماء والصفات، ك (الجبار) و(المتكبر) إذ نظر إليها من خلال رؤية عقلية بحتة لا تقيم للنص البرهاني أي وزن، ولا أشك أنه على علم بهذه الشطحات والانحرافات والمشهد بأمس الحاجة إلى قمع مثل هذه المقترفات.

- يتبع -



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد