Al Jazirah NewsPaper Tuesday  08/09/2009 G Issue 13494
الثلاثاء 18 رمضان 1430   العدد  13494
وجود وموجود تباينت أقداره
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

 

عرفته وعرفت جلجلة ضحكاته، واليقين الذي ميز حياته، ولم نحسب أن الأقدار ستأخذه إلى الامتحان الذي لا يحركه ولا يبدل فيه أو يغير منه رد الفعل، فكل قدر بحسبان في علم السماء، وبخذلان في قدرة الإنسان،

فلقد خلق الإنسان وفي طفولته عجز ومحدودية في القدرة والوعي يعلمها الله سبحانه وتعالى اقتضتها حكمته له العزة والجلال.

ومع مراحل النمو يتشكل الوعي ليكتشف الإنسان أنه موجود في وجود يلزم معه أن يبتكر لنفسه كثيراً من الخطط، ومن مناهج عدة يأخذ بنهج منها أو أكثر ليحقق بها ذاته ويقصي المعاناة وشدتها، لكنه يعرف أن الإنسان قد خلق في كبد، ومع ذلك يتشبث بالحياة وفي هذا كل التميز الذي يوازي مكانته بين المخلوقات حيث تنطوي نفسه على مكون يحفزه لما يدعوه من الأسباب التي بها يحيا، فيشكلها وفق ما يتمنى ويطمح إليه وشواهد ذلك الكدح ولزوم العمل بتواصل مراحل العمر ليحقق ثوابت معيشته التي لا تستقيم إلا بتوفر الأمن والسلام والصحة، واستقرار يعطي المعنى من حياته.

وإن تباين جهد الإنسان في طاقته التي بها يسعى ليحقق المزيد من الرضي والاستقرار باستمرار السعي الذي أخفقت النتائج معه لمرة فقد تأتي وحليفها في مرات لاحقه.

إن الإنسان يدرك في بواكير عمره الأشياء كمشاهد من أمامه وحوله، لا يحقق شيئاً منها ما لم يفعل بالوعي إرادته ليسير على الطريق الذي به ومن عليه يصل ويحقق مبتغاه وهو لا يعلم أي مجهول سيتكشف عنه الطريق أو شيء من مراحله.

وكل رحلة تتوجه به إلى شيء يتمناه قد يربك المجهول مسيره وعزمه وكل طاقة يسعى بها، إنها أحاسيس لا يتركها الوهم فبسلطة الخوف يتردد الإنسان وقد يتراجع حيث يخفي الحقيقة وهم الارتباك، ليدرك الإنسان أن ما تداخل من وهم أثناء المحاولة من الهوامش التي أوشك داعيها على الإحباط بسيطرة الأحاسيس التي وسواس الوهم فيها قد تلحفت بالخوف ليتسرب إلى نفس الإنسان فيشوه المشهد، ويضع العراقيل بينه وبين الهدف، وهذا قد يعتري بعض من الناس فالخوف سمة تعترض كل خطوة نحو جديد يحاوله إنسان يتحاشى الفشل أو أن يكون إيابه بلا إنجاز، كما أن كثيراً من النوازع الأخرى المكتسب منها والثابت تشكل أحاسيس متداخلة جوهرها الخوف كصفة ظاهرة، لذا لابد من حشد الطاقة واستحضار الانتباه بالوعي الذي يقيه العثرات، وليس من سبيل يتحقق معه نجاح وتفوق أو حد أدنى من سلامة المسير إلا بوضوح الرؤية وامتلاك القدرة التي يتحقق بها الهدف حيث لكل هدف قدرة تمكن منه فالتمني منطلق يلزمه إمكان وإصرار وعمل.

ومما يؤثر على مسير الإنسان تقدير مدى المسير والتردد أن امتد وطال بقدر يفوق تصوره، إنه أمام لحظة تتطلب منه عملا بقرار تصيغه الإرادة والوعي، وفي ذلك بصيرة إن توفرت لديه حقق المراد- مقدمة قد صاغها الحدث فقد كان الرجل بكامل حيويته، ويتمتع بأثر يقينه، وتأثير صفاء ذهنه فحياته قد استقرت عواصفها وسكنت الرياح من حولها، وخلال ساعات من الزمن يجد نفسه معطلاً من الحركة والقدرة على التفاعل الطبيعي مع الآخرين.

إنها النازلات بالإنسان التي تفرض نفسها فتزوغ الأبصار ويسكت الأمل فالعزيمة الآن مسخرة للشفاء واستدعاء وسائله، أنه لا يملك من الجهد أكثر من الأسباب التي سخرها الله في مجال العلاج وقد تنجح تلك الأسباب فالعزيمة واردة الشفاء بتوفيق الله عون للمريض، وبالذات أن تكون الإصابة في الجهاز العصبي بأثر الجلطة الدماغية التي تحرمه من حيوية وجوده، وتحمله من الأعباء ما قد يصاحبه جزعاً- أو مللاً- أو صبراً وسكينة، فالجزع أو الملل لا يحققان له شيئاً فقدرة الله ومشيئته نافذة مهما تشكلت به النفس وصارت ردود الفعل وفي حالة أن يمن الله عليه بوعي سيدرك أن طاقة الصبر هي المخرج الوحيد، وأن الجزع أو الملل لا يحققان له شيئاً سوى المزيد من المعاناة، فيحرمه ذلك من الأجر والثواب مخلفاً رد فعل لا يليق بالعلاقة مع الله، وما يحل بالإنسان من أقدار له سبحانه حكمة تصنفها وتعطيها معنى لا ندركه، أقل ما فيه أن الصبر مدعاة إلى الأجر والثواب.

أجزم أن القارئ الكريم سيدعو له -إن شاء الله- بالشفاء العاجل وكل ما يعينه على تخطي محنته التي جاءت الإصابة فيها في جهاز هو حلقة الوصل مع كل أسباب الحركة والفعل والتفاعل مع الآخرين.

وبالمقابل أعرف من أصيب وتغلب على إصابته لتكون بعدها الأدنى، وبأعراض لا تحرمه عملاً أو تمنعه من علاقة، فسلامة الوعي وإدراك بعض من حقائق الحياة مصدر للتفاؤل والأمل.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد