Al Jazirah NewsPaper Tuesday  08/09/2009 G Issue 13494
الثلاثاء 18 رمضان 1430   العدد  13494
تكلفة العمليات الإرهابية
فضل بن سعد البوعينين

 

لم تكن إجراءات تجفيف منابع تمويل (القاعدة) المتخذة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، رغم شموليتها، كافية لوقف العمليات الإرهابية أو الحد منها. تتحدث الأجهزة الأمنية الغربية عن وقف تدفقات نقدية تجاوزت في حجمها مئات الملايين من الدولارات في الوقت الذي تناست فيه أن التكلفة الحقيقية للعمليات الإرهابية المؤثرة قد لا تتجاوز آلاف الدولارات التي يمكن توفيرها من مصادر عمل مشروعة، أو مساعدات إنسانية لا يمكن ملاحظتها أو السيطرة عليها. على سبيل المثال، بلغت تكلفة عملية (الإرهاب السائل) الموجهة لتفجير نحو 10 طائرات متجهة من لندن إلى مطارات مختلفة بالولايات المتحدة الأميركية، والتي كشفتها فرقة مكافحة الإرهاب البريطانية، 7 آلاف جنيه استرليني فقط. أما عملية قطارات مدريد فقد كلفت الإرهابيين ما يقرب من خمسة عشر ألف دولار، في الوقت الذي لم تتجاوز فيه عملية قطارات لندن عشرة آلاف دولار وربما أقل من ذلك.

مثل هذه المبالغ الزهيدة لا يمكن ملاحقتها أو السيطرة عليها، في الوقت الذي يمكن للإرهابيين توفيرها بكل يسر وسهولة بعيدا عن أعين الجهات الأمنية. ومن هنا يمكن القول إن التوسع في جانب مكافحة تمويل الإرهاب لا يمكن أن يضمن النتائج الإيجابية، وربما أحدث بعض التأثيرات السلبية الجانبية، خاصة إذا ما اعتمد عليه كإجراء وقائي على حساب الإجراءات الفاعلة الأخرى، كالجانب الاستخباراتي والتقني على سبيل المثال لا الحصر.

كثير من الأعمال الخيرية والإنسانية أُصيبت بالشلل لأسباب تنظيمية مرتبطة بعمليات مكافحة تمويل الإرهاب، إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى الحد من قدرة (القاعدة) على توفير التمويل اللازم للجماعات الإرهابية حول العالم. تَجَنَب تنظيم (القاعدة) استخدام الحسابات المصرفية لنقل الأموال منذ أن بدأت البنوك المركزية، الجهات الأمنية، والمصارف في تطبيق أنظمة (مكافحة تمويل الإرهاب) واعتمدوا على تهريب الأموال عبر الحدود البرية والجوية على حد سواء. في الوقت عينه، استمر التنظيم في استغلال بعض الحسابات المصرفية المسجلة بأسماء عملاء لا يثيرون الشبهات لجمع الأموال وتخزينها دون التورط في إجراء أي تحويلات منها يمكن أن تثير الشبهات. عند الحاجة يمكن ل(القاعدة) نقل بعض الأموال نقدا عبر الحدود، أو تسليمها للجهات المستفيدة بعيدا عن القيود المصرفية.

وجدت (القاعدة) بدائل أخرى للتمويل المباشر من خلال بعض الدول المارقة ما مكنها من مواصلة عملياتها الإجرامية دون مشاكل تذكر. الأموال الاستخباراتية القذرة باتت تؤمن ل(القاعدة) جانب مهم من احتياجاتها النقدية، إلا أن الدعم التقني، توفير الأسلحة، التدريب على استخدام المتفجرات في الأعمال الإرهابية كان يحقق للتنظيم فوائد تتجاوز في مجملها ما يحققه الدعم المالي. انخفاض تكلفة العمليات الإرهابية ساعد التنظيم في متابعة نشاطاته الإجرامية اعتمادا على التمويل الذاتي، في حين استغل مصادر التمويل الأخرى للإنفاق على المعسكرات ومناطق الإيواء في الخارج. يشير مسؤولو مكافحة الإرهاب في لندن إلى أن (خلايا (القاعدة) في المملكة المتحدة تدربوا على التخطيط لعملياتهم والعيش بأقل التكاليف، وأتقنوا تصنيع القنابل بتكاليف بسيطة)، وهو ما تدرب عليه أيضا أعضاء القاعدة في اليمن. استخدم الإرهابيون متفجرات رخيصة محلية الصنع لاستهداف الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، واعتمدوا على المكر والخديعة في الوصول إلى هدفهم. التمويل لم يعد عقبة أمام العمليات الإرهابية مع انخفاض تكلفتها، وإمكانية إيجاد مصادر بديلة لها. أعتقد أن إستراتيجية مكافحة الإرهاب يُفترض أن تركز على الجوانب الاستخباراتية التقنية، والعمل في مناطق تواجد الإرهابيين، وزيادة معدلات الجاهزية، والاعتماد على التقنية الحديثة في الكشف عن المتفجرات، ووضع المعايير الأمنية التي يُحرَم تجاوزها مهما كانت الأسباب.

قد ينجح الإرهابي في تصفية الهدف إذا ما اختلى به دون الحاجة لحمل متفجرات أو أسلحة. المهارات القتالية الحديثة تساعد متقنيها على شل حركة الهدف وقتله في ثوان معدودات. استخدام التقنيات الحديثة في الكشف عن علامات التغيرات الجسدية التي تطرأ على الانتحاريين يمكن أن تساعد في منع وقوع كثير من العمليات الانتحارية.

الاستثمار في التقنية الأمنية، ووضع الخطط الكفيلة بالحد من وصول الانتحاريين أهدافهم، وتطبيق المعايير الحديثة في حماية الشخصيات الهامة، والمواقع الحساسة، والعامة، ورفع معدلات الجاهزية، والفصل التام بين الثقافة الاجتماعية وقوانين الحماية الأمنية، يمكن أن تحمي البلاد والعباد من شرور الإرهابيين؛ في الوقت الذي يمكن أن توجه فيه الأعمال الاستخباراتية، وإستراتيجية نقل أرض معركة مكافحة الإرهاب إلى مواقع الإرهابيين أنفسهم ضربات موجعة، وقاتلة لتنظيم القاعدة في المنطقة.

* * *

F.ALBUAINA I@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد