Al Jazirah NewsPaper Tuesday  15/09/2009 G Issue 13501
الثلاثاء 25 رمضان 1430   العدد  13501
ممر
الصليبيون المحليون
ناصر الصرامي

 

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر المرعبة، وتبعاتها، وضع المسلمون في أوروبا والولايات المتحدة تحديدا، تحت العدسة والنقد والمراقبة الأمنية وهذا أمر يمكن تفهمه.

وقامت محاولات عدة تهدف إلى تخفيف الاحتقان والتعميم الذي أصاب المسلمين في العالم، لكنها محاولات لم تكن ناجحة أو مقبولة حينها، وبخاصة في الأرض التي ضربها الإرهاب القادم من العالم الإسلامي وعبر تنظيم القاعده بقوة مرعبة.

الآن وبعد ثماني سنوات من مرور ذلك المشهد الذي سيبقى للأبد، تبدو بعض المحاولات الجريئة داخل أمريكا لفك الاختناق والتميز الذي يتعرض له المسلمون الأمريكيون مثيرة للانتباه والدهشة.

ولأول مرة يسمح بالقرب من مركز التجارة العالمي، مسرح تلك الأحداث الكبيرة، بعرض مسرحيّة (الصليبيون المحليون).

اسم المسرحية اسم مفعم بالمعاني الضمنية، فكلمة صليبي تعيد إلى الذاكرة الحروب والصراعات المأساوية للخلافات الدينية وعدم التسامح في العصور الوسطى أو العصر الحديث.

تطفئ المسرحية فتيل القوة المتفجرة المتعلقة بهذا التعبير من خلال إظهار إنسانية الأمريكيين المسلمين الذين يقفون بين الشرق والغرب، وهم أناس يحاولون ببساطة أن يفعلوا ما بوسعهم ليعيشوا حياتهم ويسعون لتحقيق أحلامهم وفهم أنفسهم، كما ينقل وجاهة على، الملتصق بهذا العمل المسرحي.

وتمثل الشخصيات الست في المسرحية ثلاثة أجيال من أسرة واحدة يجتمعون للاحتفال بعيد ميلاد الابن الأصغر، لتقدم لانتصارات الأفراد وجلدهم في التعامل مع العقيدة والهوية في عالم العولمة وبلادها، عائلة باكستانية، بينها جنرال متقاعد وطالبة حقوق، وكلثوم التي تعمل في مجالي الدين والسياسة، وإخوة يبحثون عن تميزهم في ظل خليط لمجتمع عائلة إسلامية باكستانية تجاهد من أجل العيش والتأقلم في أجواء (مرحلة صليبية عابرة) كما يصفها صلاح الدين الأخ الأكبر في العائلة.

تعكس المسرحية جانباً من رحلة أمريكا ما بعد 11-9: الانتقال من الخوف إلى الأمل، لتعيد رسم صورة مأساة التطرف والتشدد والعنف، لكن لم يتم السماح بعرضها إلا مؤخراً وبعد أربع سنوات، حيث وافقت إدارة مقهى الشعراء النيويوركيين الشهير، على استضافتها.

هذه المسرحية تعكس التغيرات بعد ثماني سنوات هزت العالم بعنف، وأجبرته على التغير والتوقف كثيراً أمام مفاصل أو بقايا ظلت مهملة، بعد أن ضربت بعنف كل جسور الوهم القديمة للتفاهم الحضاري، الذي لم يكن موجوداً أصلاً، ثم يعاد بناؤها مرة أخرى، لكن هذه المرة بضمانات اقتلاع ثقافة العنف والإرهاب الراسخة لدى التطرف والتشدد.

طبعاً لا نتوقع أن يعرض أي عمل مسرحي ينتقد أداء المراكز الصيفية أو المخيمات الدعوية، أو أي عمل فني يتناول بالنقد مركزاً إسلامياً في أمريكا، أو مشهداً ساخراً لإنفاق التبرعات على التجنيد والتدريب وشراء السلاح، يبدو أننا قد نحتاج إلى ثماني سنوات أخرى لنتمكن من عرض مشاهد نقدية مشابهة.

إلى لقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد