Al Jazirah NewsPaper Sunday  20/09/2009 G Issue 13506
الأحد 01 شوال 1430   العدد  13506
مؤتمر استكهولم: الأهمية والتطلعات!
د. محمد بن أحمد الجوير

 

يقوم المركز العالمي للتعريف بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ونصرته التابع لرابطة العالم الإسلامي بتنظيم المؤتمر العالمي الثاني للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته تحت عنوان (نحو تفاهم عالمي يحترم الحرية ويدين الإساءة للأنبياء) وذلك في استكهولم في الفترة 11-12-11-1430هـ الموافق 30-31-10- 2009م.

ويهدف المؤتمر إلى بيان مكانة الأنبياء والمرسلين وأثرهم الفعال في نشر الخير بين البشر ونبذ دواعي الشر والسعي الحثيث إلى إيجاد ميثاق عالمي بموجبه يتم احترام الحرية ويقف في وجه الإساءات المتكررة للأنبياء. كما يؤكد على أهمية الحوار بين الحضارات وأتباع الديانات لتحقيق هدف سام نحو مفهوم التعايش بين هذه وتلك.

ولا شك أن رابطة العالم الإسلامي وهي تضطلع بمثل هذه المؤتمرات تحاول جاهدة تأدية دورها المطلوب وفق إستراتيجية محددة، كيف لا! ومن يدير دفتها رجل في درجة عالم مخضرم يعد قامة شامخة يؤدي عمله بكل أمانة واقتدار ذلك هو معالي الأستاذ الدكتور الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن التركي، وفي هذه المناسبة التي أرجو أن يوفق المؤتمرون في مشاركاتهم لتحقيق ما تصبو إليه الأمة الإسلامية من رد لكرامتها التي ما فتئ الأعداء يبثون سمومهم وأباطيلهم بين الفينة والأخرى متجاهلين حقوق الإنسان التي كثيرا ما ترفع شعارا لتحقيق مآرب أخرى بعيدة عن تحقيق تلك الحقوق الشرعية.

لقد بعث الله جل جلاله الأنبياء وأرسل الرسل رحمة للعالمين، اصطفاهم على خلقه وختم بهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، جاء هؤلاء جميعا بعقيدة واحدة تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإن اختلفت شرائعهم تبعا لفترة كل واحد منهم - عليهم السلام - لحكمة أرادها الله.

بعثهم الله وأرسلهم لإنقاذ البشرية من الشر والهلاك وحملها على الخير والفلاح، فكان الإيمان بهم جميعا واجبا أوجبه الله تبارك وتعالى على خلقه، كيف لا! والإيمان بهم هو الركن الرابع من أركان الإيمان فلا يصح إيمان العبد إلا به، والأدلة الشرعية متواترة على تأكيد ذلك، فقد أمر سبحانه بالإيمان بهم، وقرن ذلك بالإيمان به سبحانه فقال: {فآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ} (171) سورة النساء.

والإساءة لهم بالاستهزاء أو السخرية لا ريب أنه ضرب من أضرب الاعتداء على الدين وخلل في السلوك والأخلاق، وهو حلقة في سلسلة حلقات قام بها أعداء الدين من المستشرقين المتعصبين المعروفين وغيرهم من المعاصرين الحاقدين.

وقد توعد الله جل جلاله كل من وقف موقف العداء والإساءة للرسل الكرام بقوله سبحانه {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} (98) سورة البقرة، والآيات في هذا السياق كثيرة.

وللأسف أن ما يدعيه أصحاب هذه الإساءات من نشر إساءاتهم أنها داخلة في إطار حرية الإعلام والتعبير عن الرأي، فهذا وهم، وذلك أن الإعلام له أخلاقيات يجب التزامها، كما أن التعبير عن الرأي ليس على إطلاقه وله ضوابطه المعروفة، ومنها مراعاة حقوق الآخرين وكرامتهم الإنسانية مهما كانت منزلتهم، فكيف إذا كانوا من أكرم الخلق وهم الأنبياء والرسل عليهم السلام!، بل كيف بخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي تعرض لإساءات كثيرة ولا يزال!!.

إن المؤمل من المرجعيات الدينية والمؤسسات الثقافية وعموم دول العالم وخاصة دول أوروبا التي انبعثت منها هذه الإساءات أن يكون لها الموقف الحازم في منع ما يسيء للمقدسات والشعائر الدينية المنزلة على الرسل، ومنع ما يسيء لأي رسول إيمانا بحفظ كرامتهم وقدسيتهم ومراعاة لمشاعر أتباعهم. نثمن تلك الجهود التي تبذلها المؤسسات الإسلامية في الدفاع عن ثوابتنا؛ غير أنه يجب التركيز على جهود الدعوة في الدفاع عن هذه الثوابت عن طريق تعريف الغربيين بالإسلام الصحيح عقيدة وشريعة بالتحاور معهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن، وذلك من خلال الإعداد الجيد للبرامج الإعلامية والفكرية والقنوات الفضائية المتخصصة في مخاطبة الغرب وإقرار إستراتيجية إسلامية شاملة لمواجهة حملات التطاول على دين الله وأنبيائه ورسله، واستغلالا لتقنية الحديثة في ذلك، كما يشمل الإعداد: إقامة المؤتمرات كهذا المؤتمر وانتشار مراكز البحوث الشرعية والفكرية المتخصصة لبحث الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم وإعداد الردود العلمية عليها، ودعوة قادة الغرب ومفكريه وإعلامييه إلى الإنصاف والعدل وضرورة احترام المقدسات والديانات السماوية، ويكون ذلك كله وفق إستراتيجية واضحة، وأن لا يقتصر دورها على ردة الفعل.

ولعلي هنا أؤكد عل بعض الرؤى الجديرة بالاهتمام في سبيل تحقيق الدفاع عن ثوابتنا ورموزنا الدينية ومنها:

1- تكريس الجهود القيمة للدفاع عن الثوابت بالطرق العلمية واستغلال التقنية الحديثة لذلك.

2- من الأهمية بمكان بيان حقوق الإنسان في الإسلام للشعوب التي لا تدين بالإسلام.

3- التحرك العملي البناء لحماية ثوابت الأمة على كافة المستويات الرسمية والشعبية لإظهار أن الأمة لا تقبل المساس بمقدساتها وحرماتها، وتفعيل الجهود الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وخاصة للجهات المصرة على موقفها السلبي.

4- يجب تضافر الجهود الإعلامية والفكرية والثقافية للوقوف أمام ظاهرة انتشار الاستهزاء بالأنبياء والرسل، للتأكيد على مكانة الأنبياء والرسل وبيان منزلتهم في الشريعة الإسلامية والمطالبة بسن أنظمة دولية ترعى وتصون هذه المنزلة والمكانة لهؤلاء عليهم السلام، وتحول دون العبث الفكري والإعلامي والثقافي، وتكون هي في طليعة المطالبين بذلك.

5- تقوم هذه الجهاز بإبراز مفهوم الحرية في الإسلام الذي كفل الحريات بقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}(سورة الإسراء 70)، وبيان ضوابطها الشرعية. ويعتبر الحوار بين أتباع الديانات والمذاهب أخصر الطرق لمعرفة ما لدى الآخر والوصول إلى الحقيقة، ذلك أن البشر في اختلاف ألوانهم وألسنتهم آية من آيات الله الذي لو شاء لجعل الناس أمة واحدة ولجعل الوصول إلى الحقيقة ذا نهج واحد، ولكنه تبارك وتعالى جعل لكل شرعة ومنهاجا، والإنسان المدني بطبعه يقيم حياته على الحوار مع غيره حيث أنه محتاج إلى غيره، ولأسباب هذا الاحتياج اقتصادياً واجتماعياً أصبح الإنسان كائنا متكلما وللضرورة الاجتماعية والاقتصادية أصبح كائنا محاوراً وأصبحت اللغة وسيلته إلى ذلك الحوار الذي يقضي حاجاته الاقتصادية والاجتماعية والجمالية. والعالم اليوم أشبه ما يكون بالقرية الصغيرة، والمملكة العربية السعودية جزء من هذا العالم، بل هي جزء نشط وفاعل ومؤثر، وإيمانا منها بأهمية الحوار فقد أدركت بفضل الله ثم بفضل الرؤية الحضارية الثاقبة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله تلك الأهمية وذلك بتبنيه الدعوة للحوار بين الحضارات لكي تسود القيم والمبادئ والأخلاق القائمة على مبادئ العدل والمساواة بين اتباع الديانات السماوية ونبذ دواعي الاحتقان والتراشق. وليس من هدف الحوار فك الاشتباك بين الآراء المختلفة أو تحييد كل طرف إزاء الطرف الآخر، وإنما هدفه الأكبر هو إثراء الفكر وترسيخ قيمة التسامح بين الناس، وتمهيد الطريق للتعاون المثمر، وذلك بالبحث عن القواسم المشتركة التي تشكل الأساس المتين للتعاون البناء بين الأمم والشعوب، والحوار بهذا المعنى يعد قيمة حضارية ينبغي الحرص عليها والتمسك بها وإشاعتها على جميع المستويات.

والدعوة إلى الحوار في الأساس دعوة قرآنية تخاطب كل مجال من مجالات الصراع في الحياة وتتصل بكل علاقة من علاقات الإنسان بأخيه الإنسان، إنها دعوة الله إلى الإنسان في قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (سورة فصلت 34)، وقوله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنسان عَدُوًّا مُّبِينًا}(سورة الإسراء 53).

هذه الدعوة الصافية التي توحي للإنسان في كل زمان ومكان أن مهمته في الحياة هي أن يثير في الإنسانية عوامل الخير بدلا من عوامل الشر التي تهدم ولا تبني وتضر ولا تنفع، وهي دلالة على شمولية وعالمية هذا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان فهو منهج متكامل، تشريع شامل لكل مجالات الحياة، وهو إيمان وعمل، عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، فكر وعاطفة، أخلاق وعمران، وفي ذلك يقول تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(سورة النحل 89)، ويقول سبحانه: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً}(سورة الإسراء 12)، وهذه مجرد خطرات جالت في خاطري أبعث بها للمؤتمرين في استكهولم.

نتمنى لهذا المؤتمر وللقائمين عليه والمشاركين فيه التوفيق، ونعتبره بحث بفعالياته خطوة في سلسلة الخطوات المباركة لرابطة العالم الإسلامي الرامية إلى الدفاع عن حياض هذا الدين وثوابته والحفاظ على كرامة الأمة الإسلامية التي هي خير أمة أخرجت للناس وهي التي تتوجه أنظار شعوبها إليه ويحدوها الأمل لتحقيق تطلعاتها للدفاع عن ثوابتها التي كثيراً ما تتعرض في الآونة الأخيرة من إساءة واحتقار وإهانة لمشاعر أكثر من مليار مسلم {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ...}(سورة التوبة 105).



dr-al-jwair@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد