الجدال والمعركة على مسألة ما أو قضية ما لا تخلو من الصراع الفكري بأيديولوجيا مختلفة وطوائف متعددة ومتضادة في الفكر ما بين مؤسسة دينية ومؤسسة ليبرالية أو مسمى آخر من مسميات الفكر، والصراعات ممتدة ومتأصلة ومستمدة منذ عدة قرون، ولا تزال ممارسة اختلاف الآراء موجودة حتى لو كانت القضية في محيط صغير ولكن تركيبة وثقافة المجتمع تختلف من شخص لآخر، وهناك ما يعطي قوة واتساع أكبر لقضية الصراع وتوسع وتشعب الأمور إلى أبعاد مديدة من دون أن نخرج بفائدة منها، وعند إنشاء مركز للحوار الوطني بمختلف مناطق المملكة وبدأت قبل أربع سنوات تقريباً احتضنت طاولة الحوار الكثير من العقول بمختلف توجهاتهم الفكرية واحتضنت المؤسسة الدينية والليبرالية.. اجتمعوا لمواصلة الحوار والخروج بنقضة يكون بها النفع للبلاد، فعلى سبيل المثال هناك مبدأ وشرع لدى أخواني الليبراليين في مفهوم الليبرالية وهي التعبير عن الرأي وحرية الرأي، وأيضاً عدم المساس ومصادرة الرأي الذي بحوزتي!!.
نجد أن هذا المفهوم هو السلاح والقوة المتمسك بها أي شخص لديه العلم أو المفهوم الليبرالي وهو يخوض ويبحر بالليبرالية في حياته للأبد، نجد هذه النقطة متواجدة من غير الليبراليين، ولكن ما يفترق عليه غير الليبراليين بوجود الإسناد والدليل القاطع للرأي، بعكس الليبراليين بأن لا يوجد لديهم إسناد أو قوة تساندهم، إنما تعبير ورأي ولي الحق في تعبيره وهذا ما يعملون بها، إذاً المسألة تأتي بالمصحلة ليس إلا وليس فيها أي منفعة اجتماعية، من حق أي شخص التعبير عن رأيه، حتى النقد يعتبر رأي من صاحبه بغض النظر عن تقبل الآخر، إنما حرية التفوه بالقول عن رؤية لها منفعة فردية وليس لها علاقة بالمجتمع بتاتاً.
والتحدث بأي قضية هي تعبير عن الرأي ما لم يكن التحدث تنتج عنه الفتن (أن الفتنة أشد من القتل) إذا خلت المسألة من الفتن فمن حق أي شخص التعبير عن رأيه، وهناك من يبث النوايا السيئة والكلام غير الصحيح عن شخص ما، والسبب هو عدم التوافق الفكري بين الطرفين.. فمثلاً التعبير عن مسألة تخص الحراك الثقافي مثل معرض الكتاب أو المسرح أو السينما، نجد التضاد من أناس آخرين من المؤسسة الدينية يقحمون أنفسهم بسوء النية وقذف من عبر عن الحراك الثقافي معطين أبجديات الأدب والحوار والاحترام عرض الحائط، وهم يملكون مقومات المفهوم الشرعي والشرع وضح كل ما يخص الأخلاق الحميدة، كما قال عليه السلاة والسلام (الدين المعاملة)، وأيضاً هناك من الإخوة الليبراليين يقومون بنفس توجه المفهوم الخاطئ عندما يعبر داعية ما أو شيخ فضيل عن رأيه عن المسرح أو أي مسألة اهتم بها الشارع الاجتماعي، نجد أن هؤلاء الليبراليين يفتقدون في هذه اللحظة لمفهوم التعبير عن الرأي، وعند أدبيات حرية الرأي خصوصاً عندما يعبر أحد المعارضين لفكرهم عن رأيه، مع أن هؤلاء الليبراليين يقدسون التعبير عن الرأي، ولكن عندما يجدون من يخالفهم حتى برأيه يجن جنونهم، وخير دليل عندما يعبر أيّ شخص عن رأيه حول نقطة معينة!!.
فالمسألة أصبحت تخص مصلحة دينية ودنيوية وليس لها علاقة بالمجتمع، فالمؤسسات الدينية لها أبعاد وخصائص وإسنادات شرعية، وفي الآخر تظل وجهة نظر مدعومة بإسناد، والمشكلة هنا من يفسر تلك الأقاويل بما تهويه النفس ويخاف صراطه المتبع بالحياة، ونحن وسط زوبعة وحراك العالم حتى أصبحنا جزءاً من العالم وسط قرية محيطة بالقنوات والتقدم التكنولوجي، ولا نلوم أي حراك جديد على... فهو في الآخر يعتبر سيطرة ثقافية، ولكن كيف نوظف تلك الثقافات بما يرضي المجتمع تحت سقف احترام الحريات؟.
تأتي وفق مخاطبة المجتمع وتوضيح المسار الثقافي وما هي الفائدة المرجوة منه، نحن نعيش وسط أجواء وأفكار وخطابات مختلفة من مؤسسات دينية وغيرها ونملك قوة فكرية من مؤسسات دينية وليبرالية، والمواجهة مستمرة حتى الآن، وهناك دعاة وموجهون بالمؤسسات الدينية يعرفون أن التقدم حاصل وأن العالم بين أيدينا وأن العالم الغربي هو تقدمنا، ولكن وظفوا تلك المعلومات بطرق يسيرة لا ضرر ولا ضرار، وهناك امتلكوا وسيطروا على قلوب الكثير من البشر.. والخط الآخر وما تجده التيارات الأخرى من لزام التواجد الثقافي بمتغيراته بغض النظر عن رضا المجتمعات إنما لديهم قاعدة بعدم مصادرة آرائنا وعدم مصادرة حرية أفكارنا، فهي مسألة الخيار إن أردت العمل والانخراط نحو هذا التوجه فلك الخيار وإن رفضت فلك الخيار أيضاً، إنما لا تسيطر ولا تصادر رأيي وحريتي لأجل ما تراه ويراه الفكر الموجود لديك.
المواجهة سوف تستمر ولكن السؤال يبقى:
هل نرى التوافق الفكري لمصلحة البلاد موجود في تلك التوجهات التي يملكها علماء ومفكرون؟..
الزمن القادم لديه الجواب الكافي.
s.a.q1972@gmail.com