Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/11/2009 G Issue 13573
الخميس 09 ذو الحجة 1430   العدد  13573
النبوءة والسحر في قضايا الشعر

 

عن الدار العربية للعلوم (ناشرون) صدر كتاب (النبوءة والسحر) قضايا شعرية في التراث النقدي للمؤلف فهد توفق الهندال الذي يرى أن النقد العربي عند العرب يعتمد في الدرجة الأولى على عدة مقاييس في عملية نقد الشعر لهذا الشاعر وذاك وقد فصَّلها في المقدمة، وقال: كان النقد الأدبي عند العرب -وحسبما تذكر المصادر- يعتمد في الدرجة الأولى على عدة مقاييس، في عملية نقد الشعر لهذا الشاعر وذاك، وهي كامنة في صدق العاطفة والمعنى العفيف، وتفحص مواطن الفضائل ومكارم الأخلاق. مع الموازنة بين الشعراء، وتعيين أشعرهم وأفضلهم.

كل هذه المقاييس تخضع للانطباع أو كما يسمى الآن النقد الانطباعي، وهو تحليل الأثر الأدبي أو الفني في نفس الناقد. إلا أنه كان يعاني من الذوق الفطري للناقد، الذي بضوئه يعطي الأحكام بصورة جزئية على الشعر، يتبعها حكم عام دون تعليل أو تحليل. وبمعنى أصبح، نقد جزئي محدود، يتبعه حكم عام تفرضه فطرة وتذوق وعاطفة الناقد. لهذا كان الناقد ينظر إلى الشعر، ولديه خلفية كبيرة من الدربة والاطلاع على الشعر وأغراضه، وبنيته التي يسير عليها، دون وعي كامل بالتحليل البنائي. وهذا يمكن رؤيته في بنية القصيدة الجاهلية، والتي ترتكز على عناصر مهمة في بنائها: المقدمة الطللية، النسيب ووصف المرأة، وصف الناقة أو الدابة، وأخيرا الغرض الرئيس المنشود من القصيدة. سواء كان مدحاً أو هجاء أو فخرا. بعدها انتقل النقد الأدبي من مرحلة إلى مرحلة، شهد القرنان الهجريان الأول والثاني ظهور علوم جديدة على الساحة الأدبية العربية. منها علوم اللغة والكلام. فالأولى اهتمت باللغة والنواحي النحوية، والأخرى اهتمت بالبلاغة والبديع.

وقد دعّم هذه العلوم بعد ذلك، ظهور كتب هي أمهات كتب النقد الأدبي عند العرب، ابتداء من طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي (توفى231هجرية)، وانتهاء بمنهاج البلغاء وسراج الأدباء لحازم القرطاجني (توفى 684 هجرية). وكل فترة أضافت للنقد الأدبي نظريات جديدة، حتى العصر الحديث. حيث ظهرت اتجاهات متنوعة، أضافت للحركة النقدية مدارس تعمقت في النص الشعري أكثر من تعمقها في حياة الشارع وظروفه. وقد تميزت هذه المدارس النقدية الجديدة في محاولتها البحث عن لغة علمية جديدة، من أجل دراسة الآثار الأدبية. ليصلوا في نهاية الأمر إلى تحقيق نظرية نقدية علمية، تحت تأثير التطورات البارزة التي حققتها العلوم الإنسانية والاجتماعية. وتتضح هذه المدارس أو الاتجاهات الحديثة في بروز عقلية سوسيولوجية، ونفسية، وبنيوية، وشكلية، وتفكيكية، لتنظر إلى النص باعتباره محطة الانطلاق والعودة معا. وذلك بهدف رفض أي اعتماد على الذوق والفطرة والرأي الشخصي، مما يحقق للعقلية اللغوية الحديثة، غايتها المنشودة في جعل اللغة الإطار العام والحقيقي لأي عملية نقدية، لأي أثر أدبي. من هنا كان الشعر -دائما وأبدا- مقياسا للجمال الفني الخلاق. لأن اللغة الشعرية لغة شديدة الخصوصية، وهي تتميز بالتقطير الدقيق في انتقاء المواد وتنظيمها، ومستوى الكلمات مقرونة بدلالاتها الوضعية.

والنص الأدبي نص فني، محوره القيمة الفنية الخاصة، وتتحقق وظيفة جمالية معينة، متى ما تحققت قيمته الفنية الخاصة. هذا لا يمنع من أن النص ينجز أكثر من وظيفة. لذلك بدأ النقاد المعاصرون النظر من جديد في الموروث الشعري القديم، بنظرة فاحصة جديدة، تصحح النظرة السابقة الانطباعية. نظرة تعتمد البناء وقراءة الشعر كمستويات عديدة، للوصول إلى بنية فنية، لدلالة معينة. من هنا.. جاء هدف هذا الكتاب، في قراءة التراث النقدي، وتدوين ملاحظات ونقد اليوم عليه، على أساس أن العودة للتراث استطلاعا فيه أو تثمينا له أو استلهاما منه، لموضوع يتجدد منذ استيقظ الحس العربي على حتمية نهوض حضاري مستأنف، كما يرى الناقد العربي عبدالسلام المسّدي.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد