Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/11/2009 G Issue 13573
الخميس 09 ذو الحجة 1430   العدد  13573
إعلان استقلال أمريكا

 

عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، صدرت ضمن سلسلة سير العظماء كتاب (توماس جيفرسون) للمؤلف كريستوفر هيتشنز، الذي يحكي قصة إعلان استقلال أمريكا، يوضح الناشر في مقدمة الكتاب سيرة شخصية توماس جيفرسون ونقتطع منها قوله:

توجد سيرتا حياة فقط يستطيع المؤلف منهما دراسة الفكرة الكلية لقيام الولايات المتحدة منذ بدايتها، وإعادة النظر فيها أيضاً، وهما سيرة حياة كل من توماس جيفرسون وابراهام لنكولن. ولنكولن - الذي كان لا يزال في السابعة عشرة من عمره وقت وفاة جيفرسون - كان حينئذ يقسّم وقته ما بين العمل كحطّاب والتجديف بالمراكب والعبارات، صرح في وقت لاحق عام 1859م قائلاً:

(المجد كله لجيفرسون، للرجل الذي امتلك - في ظل الضغط الهائل الذي صنعه صراعه من أجل تحقيق الاستقلال القومي لشعب واحد - رباطة الجأش، والقدرة على التنبؤ الصحيح، والقوة الكافية لتقديم الحقيقة المجردة في وثيقة ثورية بحتة، تلك الحقيقة التي يمكن تطبيقها على كل الرجال في كل زمان. لقد نجح في حفظها في تلك الوثيقة، لتظل حتى يومنا هذا، وإلى الأبد، صوتاً موبخّا وحجر عثرة في طريق أية بادرة شؤم تلوح في الأفق وتنذر بظهور الاضطهاد والطغيان على السطح مرة أخرى).

ولاحقاً، عندما تساءل لنكولن في خطابه الشهير في جيتسبيرج Gettysburg عما إذا كان النموذج المثالي الأمريكي يستطيع الصمود لوقت طويل، لم يتركز اهتمامه الأخلاقي على الدستور الفيدرالي Federal Constitution، بل على إعلان الاستقلال الذي صاغه جيفرسون (قبل عام 1863م بسبعة وثمانين عاماً). وقد كان هذا كرماً بالغاً منه، أما اليوم، فإذا كنا ننظر بعين الرضا إلى تلك العبارات التي أنهى بها جيفرسون خطابه والتي تستنكر فكرة أن بعض الناس (يولدون بسروج على ظهورهم، وقلة منهم فقط يولدون منتعلين الأحذية الطويلة الرقاب ذات الكعوب المدببة)، فعلينا أيضاً أن ننتبه إلى أن جيفرسون نفسه لم يكن بحاجة لأكثر من مجرّد النظر عبر نافذة غرفته كي يرى العبودية المتوارثة تتحقق بالفعل. ولكنه تعمد تأجيل تصفية هذه القضية المؤسفة تماماً، بل حمّلها بكامل وعيه للأجيال التالية باعتبارها جزءاً من إرثه الذي تركه للأجيال التالية، وبعد سبعة وثلاثين عاماً من وفاة جيفرسون، وضع قتلى معركة جيتسبيرج وجرحاها (وهي معركة دارت أحداثها عشية الرابع من يوليو - تموز) معياراً جديداً لمفهوم الرهبة والخوف في الحروب الحديثة.

ومع ذلك، فلولا جهود جيفرسون لما وُجد الاتحاد الأكبر Grand Union، ولو كان (نصفه من الأحرار ونصفه الآخر من العبيد) كي يناضل من أجل تحقيقه كل من لينكولن ودوجلاس، ولاحقاً لينكولن ودافيز، وفي النهاية جرانت ولي.

إن يوم الرابع من يوليو - تموز من عام 1803هـ يستحق مكانة أكبر من تلك التي يحصل عليها عادة في قائمة الأحداث الفاصلة أو التواريخ الحاسمة في تاريخ البشرية. ولكن هذا التاريخ لا يمثل يوم حدوث واقعة معينة. وإنما هو يوم استكملت فيه خطة دقيقة وبُدئ في أخرى، وفي حين يميل مؤرخو العصر الحديث وما بعده إلى استخدام تعبيرات على غرار (ابتكار أمريكا)، أو (تخيل أمريكا) فإنه من الأصدق أن نقول: إن توماس جيفرسون قد (صمم) أمريكا، وأنه صاغها.

ومن الجلي، والحال هكذا، أن جيفرسون يضم في شخصه بعض التناقضات الحقيقية أو الظاهرية، وهذا ينطبق على جميع الناس وعلى كل الأشياء، بل إنه سيكون من المدهش حقاً أن نجد شخصية تاريخية بارزة، أو بالأحرى أن نجد أمة (لا) ينطبق عليها القانون. إن جيفرسون لم يجسد المتناقضات في شخصه، وإنما كان (هو) التنافض بعينه، وسيبدو هذا واضحاً جلياً في كل خطوة من تلك القصة التي تحكي أحداث حياته.






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد