Al Jazirah NewsPaper Monday  14/12/2009 G Issue 13591
الأثنين 27 ذو الحجة 1430   العدد  13591
بين الكلمات
صدى المآذن
عبد العزيز السماري

 

جاءت قضية الاستفتاء على بناء المآذن في سويسرا لتشعل من جديد الرأي العربي والإسلامي، ولإعادة الحوار حول موقف الغرب من الإسلام، ولتدخل هذه القضية في أجنده الحرب ضد انتشار الإسلام في أوروبا، فالعالم الحالي شئنا أم أبينا يشهد في الوقت الحاضر حالة صدام حضاري بين الغرب المسيحي والشرق المسلم، وهي حرب غير متكافئة، والسبب أن المجتمعات الإسلامية غير متطورة، وليس لها قول في القضية إلا من خلال ميكانزيم التشنج والصراخ ..

وصلت قضية مواجهة الغرب للإسلام إلى أجندات الأحزاب المحلية في دول لم تكن أصلاً ضمن دول المواجهة، فسويسرا عُرفت بحسن علاقاتها مع العرب، وكانت دائماً ما تحرص على استمرار هذه العلاقة، لكن الضغط الشعبي جعلها تتجاوز تلك الخطوط الحمراء، ولم تعد تكترث للعرب وثرواتهم..

دفعت حادثة الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة الغربيين للقراءة عن الإسلام والمسلمين والعرب، وأيضاً عن حقوق الآخرين في بلاد العرب والمسلمين، وهو ما كون انطباعية تختلف من فئة إلى أخرى، ومن حزب إلى آخر، وهو ما أحدث ردات فعل مختلفة، كان منها ما هو في غاية السلبية، ويدعو إلى منع انتشار الإسلام في بلادهم خوفاً من أن تأثيره في حرياتهم التي يتمتعون بها..، بينما يسعى آخرون لمنع صدور أي قرار ضد حرية الأديان في بلادهم، وذلك إيماناً بمبادئهم الليبرالية..

على العرب والمسلمين تقدير الموقف، فالحريات الدينية في بلادهم متدنية، ولا تسمح بأدنى حدٍ من الحرية للآخرين، وهو أمر يحتاج إلى وقفة من علماء الدين الذين عليهم أن يجتهدوا في هذا الأمر، فالانغلاق وإظهار العدوانية للآخرين يثير المتطرفين في الجانب الآخر لاتخاذ مواقف عدائية من الإسلام، ولتأجيج شعوبهم ضد حرية المسلمين في ديارهم..

كذلك علينا أولاً أن نقف صفاً واحداً ضد الطائفية، التي أصبحت شرخاً عميقاً داخل المجتمعات العربية والإسلامية، والعمل على البعد عن إذكاء العداوة بين الطوائف من خلال استخدامها في الحروب الإعلامية، وهو ما يضعف المواقف الوطنية في الداخل، وينقل الولاء من الوطن إلى الطائفة..

تمهد المصالحة في الداخل بين الفئات والطوائف إلى تبني مواقف أكثر إيجابية مع الخارج، ولا يمكن لأمة أن تصدر السلام وهي تعيش في معترك الخصام الداخلي، وإذا كانت سويسرا اتخذت الاستفتاء الشعبي لمنع بناء المآذن، فبعض الدول العربية أصدرت أوامر عليا لمنع بناء الكنائس الجديدة في مجتمع يوجد فيه ملايين المسيحيين، وهو أمرٌ يثير الجماعات المتطرفة في الغرب..

عاش المسلمون مع أتباع الديانات الأخرى في بغداد ودمشق إبان المرحلة الذهبية في تاريخ المسلمين، ولم يذكر التاريخ حدوث فتن بينهم، بل إنهم كانوا يتمتعون بحرية العبادة في عواصم الخلافة الإسلامية، وهو ما يجعل بعض المواقف العدائية الحالية مخالفة لما تم تطبيقه في صدر الإسلام..

في نهاية الأمر ليس علينا أن نغير مواقفنا من قضايانا الشريفة، ولكن أن نبدل خطاب التعميم ضد الآخر، وأن نكون أكثر وضوحاً عندما نريد التعبير عن قضية ما، وأن نتحدث من خلال مصطلحات ملائمة للغة العصر الحديث..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد