Al Jazirah NewsPaper Monday  14/12/2009 G Issue 13591
الأثنين 27 ذو الحجة 1430   العدد  13591
الجماعة في فكر رضوان السيد

 

صدر للكاتب شمس الدين الكيلاني كتابه الموسوم ب(الجماعة وتحولاتها/ التجربة السياسية العربية/ الإسلامية في فكر رضوان السيد) عن دار الشبكة العربية للأبحاث والنشر.

غلب على دراسات رضوان السيد واهتماماته الانشغال بموضوع (السياسة) في المجال الإسلامي، وكان قد أعد نفسه بحثياً ومنهجياً لهذه المهمة الصعبة، من خلال اطلاعه بصورة مبكرة على موضوعات التراث والتاريخ الدثي والثقافي والسياسي العربي الإسلامي، وخضع للدراسة الأكاديمية في الأزهر الشريف إلى أن حصل على الليسانس من كلية اصول الدين بجامعة الأزهر في العام 1970م، ثم عمل على امتلاك الأدوات المعرفية اللازمة عن طريق دراسته الأكاديمية في جامعة كيوبنج بألمانيا، وحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة منها عام 1977م، وأتقن العديد من اللغات، أهلته لمتابعة الدراسات الأوروبية عن الإسلام بلغاتها الأصلية، ما مكنه من استخدام المنهجيات الحديثة في مجال التاريخ الثقافي، أو في مجالات اجتماعيات المعرفة التي كانت المدخل الرئيس لأبحاثه في ميدان الإسلام.

وعندما بدأ بالكتابة في الثمانينيات من القرن الماضي، في مقاربة إشكاليات التاريخ الثقافي العربي الإسلامي، كان قد تلمس بداية طريقه في مقاربة التراث، في أطروحته للدكتوراه التي كان موضوعها ثورة ابن الأشعث، وأعقبها بأن قدم إلى القارئ العربي أول كتبه عام 1984م الأمة والجماعة والسلطة حيث ركز فيه على المفاهيم المفتاحية في الفكر السياسي الإسلامي التي هيمنت على أيديولوجية القوى الاجتماعية الفاعلة في التاريخ العربي الإسلامي، ثم استكمل بحثه ذلك في دراسته الإسلام المعاصر عام 1987م، وبشكل خاص سياسيات الإسلام المعاصر عام 1997م، وبلغ ذروة تأليفه في كتابه الجماعة والمجتمع والدولة عام 1997م، ثم ما فتئ أن أعقبه بسلسلة من المؤلفات تناولت الإسلام المعاصر، والحركات الإسلامية، والتفكير في مآلاتها المختلفة وعلاقتها بالصراع على السلطة، والتكيف مع العصر، فضلا عن ذلك، فقد عمل على تفحص المواقف المتضاربة من الإسلام، بما شكله من حقل واسع، تتنافس على تفسيره وامتلاكه العديد من الاتجاهات والقوى.

من هنا أتى كتابه الصراع على الإسلام عام 2004م، حيث استعرض فيه مشهد المجابهة التي بدأت معالمها بالتشكل في حرب الخليج الثانية عام 1991م وصولا إلى حرب الأفكار مع المحافظين الجدد عند وولفويتز، ورامسفلد، وتضمن تفكيكه لخطاب المواجهة الإسلامي في العقود الماضية من جهة، وكشفه تهافت خطاب المحافظين الجدد من جهة أخرى، متطلعاً إلى خيارات أخرى أكثر نجاعة وجدوى من التكاليف المدمرة لتلك المجابهة غير المفهومة وغير المجدية من أجل مستقبل علاقات أفضل بين المسلمين والغرب، فكان أن توزعت اهتماماته حول ثلاثة محاور أساسية، موضوعها الرئيس (سياسات الإسلام).

انصرف في المحور الأول إلى تفحص التجربة السياسية الإسلامية في العصر الوسيط، في حركتها الفعلية وانبساطها في التاريخ، وفي مفاهيمها الأيديولوجية والنظرية التي عبرت فيها السلطة ورجالها عن رؤيتها للشرعية والتاريخ من جهة، كما أعطت أيضا القوى الاجتماعية، من مواقعها المختلفة، صورتها عن نفسها ونظرتها في السلطة، وقراءاتها للنصوص التأسيسة المقدسة من جهة أخرى، وانصرف في المحور الثاني إلى تحليل ونقد تجربة الإسلام المعاصر في وجهيها الحركي والنظري، في سياق تحولاتها المتلونة التي مرّت بها في مراحلها المختلفة، ابتداء من الإصلاحية الإسلامية المنفتحة على العالم في حقبة النهضة، وانتهاء بالحركات الإسلاموية الاعتراضية، بأوهامها عن نفسها وعن العالم المليئة بالمرارة والخصومة. أما المحور الثالث من أبحاثه، فيتعلق بتصوراته عن المستقبل الممكن والمستحيل الذي ينوس بين التصالح مع العالم والتاريخ، أو التخاصم مع الذات والعالم.

وقد تخلل انشغالاته البحثية تلك، الاهتمام بموضوعات فكرية وسياسية شتى، لا تتعارض مع تلك المحاور، بل إنها إذا لم تقع على حواشيها فإنها تزيدها وضوحاً وتبصراً، فقد خاض، بدلالة تلك الموضوعات الكبرى، في نقاش متنامٍ ومتسع مع خطاب الاستشراق بجانبه التقليدي والمتجدد في صورة المنهجية الأنثروبولوجية، إلى جوار الاهتمام بالإمساك برؤية العالم، وبصورته مثلما تجلت في الفكر العربي الحديث والمعاصر، وتأثير هذه الصورة في خيارات النخب العربية تجاه المستقبل، ووسائل الوصول إليه، من دون أن يشغله ذلك عن الدخول في نقاش متعدد الجوانب حول مفاهيم الهوية الثقافية والحضارية، وحوار الحضارات، ومواجهة الأطروحات المتقابلة والمتكاملة لها نتنغتون وفوكوياما، وما أثارته من ردود عند المثقفين العرب، كانت في أغلبها زائفة، لأنها حملت في ثناياها مضامين تلك الأطروحات، وإن بطريقة معكوسة، وشمل استقصاؤه العلاقة الفعلية بين الإسلام والغرب، ومقاربته للمُتخيلات المتبادلة بين الأوروبيين والعرب والمسلمين، والحوار الصعب والحتمي بين الإسلام والمسيحية، غير أن السيد، على اتساع دائرة الموضوعات الثقافية والتاريخية التي يتناولها في المحورية لأبحاثه برمتها، لهذا سيحاول هذا الكتاب تتبع فكر السيد على محاوره الثلاثة تلك.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد