Al Jazirah NewsPaper Monday  14/12/2009 G Issue 13591
الأثنين 27 ذو الحجة 1430   العدد  13591
أدبنا خارج الحدود
د. محمد بن سعد بن حسين

 

إن الحديث يجب أن يكون عن الكتاب السعودي بعامة لا عن الكتاب الأدبي وحده؛ لأن ما يقع على الكتاب الأدبي يقع على غيره من الكتب، وقد قال الأقدمون: الأدب هو (الأخذ من كل فن بطرف)، وهذا يعني أن جميع الفنون داخله في كلمة (الأدب).

وما دام الأدب شاملا للمعارف الإنسانية كلها فلماذا يخص الأدب السعودي بذلك؟

من هنا لم يكن بد من الحديث عن الكتاب السعودي بعامة وإن كان الأدب سوف يحظى بنصيب الأسد في هذا الحديث، وبخاصة في أحاديث النقد وما أثقله على النفوس! ولكن ليس منه بد.

عندما كنت خارج البلاد فيما قبل سنة 1398هـ احتجت إلى كتاب من كتب أبناء البلد نفسها أي من أبناء المملكة العربية السعودية فبحثت عنه في المكتبات فلم أجده على الرغم من كونه قد طبع في البلاد نفسها فذهبت إلى المطبعة التي طبعته فلم أجده بها على الرغم من كونه مما قدّم له أحد المشهورين في تلك البلاد فاُضطررت إلى الكتابة إلى أخي عبدالله الذي أمدني به.

وحين رجعت إلى البلاد كان من أوائل ما أفكر فيه وصول هذا الكتاب وأمثاله إلى أيدي الآخرين، وطبعي أن لا يعني هذا الحكم هذا الكتاب وحده بل لا يعني كتب الأدب وحدها، وإنما جميع ما كتبه السعوديون في شتى المعارف فكان أن بدأت مشروعا مهمته خدمة هذا الكتاب فكتبت بعضا من المقالات التي كان أول أهدافها إعلاميا أي إعلام غير السعوديين بل والسعوديين أنفسهم بالكتاب السعودي أيا كان مضمونه وأيا كان موضوعه ما لم يكن عاميا أو في حكمه، وأعني بذلك الدعوة إلى العامية هذه التي وقفنا على محاربتها جميع جهودنا ما لم يكن من النوع الشعري المصوّر لبيئة الشاعر الذي لم يجد مجالا فصيحا يخدم مجتمعه من طريقه سوى هذا اللون من الشعر مثل شعر القاضي والهزّاني وابن لعبون وبركات الشريف ونحوهم من الذين خدموا بشعرهم مجتمعهم الذي لم يجد مجالا لخدمته إلا من طريقه.

واتفق أن اتصلتْ بي إذاعة المملكة العربية السعودية البرنامج العام من الرياض فدعتني إلى الإسهام مع رجالها بما أراه حريا بأن يقدّم فقلت لهم: إن لديّ برنامجاً إذا وافقتم عليه كان ذلك، وهذا البرنامج هو (من المكتبة السعودية) فوجد ذلك ترحيبا من الإخوان هناك، فشرعت فيه في غرّة محرم سنة 1399هـ وقد استمر هذا البرنامج قرابة ثلاثين سنة احتفلت الإذاعة بمرور خمس وعشرين سنة عليه وإذاعة ألف حلقة منه، وكان هذا الحفل من الأمور المشجّعة على استمرار هذا البرنامج إلا أنه بعد قرابة خمس سنين توقف فخلفه برنامج (من المكتبة العربية)، وكان التقديم فيه مباشرة بصوت المعد وتقديم الدكتور عبدالله الحيدري، فمن المسؤول عن عدم انتشار الكتاب السعودي لا في خارج الحدود وحدها بل وفي الداخل أيضاً؟

ليس من المعقول أن يكلف الناشر فوق طاقته، فصناعة الكتاب عندنا مكلفة في حين أنها منخفضة عند الآخرين، فلماذا لا نسلك في ذلك طريقا أخرى تكون أيسر وأقل تكلفة؟

لماذا لا ننادي بالطباعة في الخارج؟، ولماذا لا ندعو إلى ما يسمونه الطباعة الشعبية لكي تنخفض تكلفة صناعة الكتاب فيقل ثمنه هذا إذا كان ثمن الكتاب هو المشكلة. أما إذا كان الجشع هو العلة فذلك ما لا علاج له سوى المصادرة!

ولكن هناك ما لا يمكن السيطرة عليه ذلك هو (السرقة) هذه التي توجه نسخ الكتاب إلى غير يد مؤلفه أو ناشره بل لا تستأذنه حينا، وهذه مشكلة قد تعوق النشر في خارج البلاد.

على كل حال فشركات التوزيع إن كانت منفصلة عن الناشر أو المؤلف فإنها هي المسؤولة الأولى عن عدم وجود الكتاب السعودي في مكتبات العالم في الخارج.

وليس من الإنصاف إخلاء وزارة الثقافة والإعلام من مثل هذه المسؤولية وعلى الأقل مراقبة مثل هذا الشأن لكونها هي المسؤولة الأولى عن كل ما يتصل بالثقافة فهل يليق بها أن تتخلى عن مثل ذلك؟ إنها مسؤوليتها الأولى.

فهل يليق بها التخلي عن مسؤوليتها حينما ربطت الثقافة بها فصارت مسؤولة عن كل ما يتصل بها؟

الكتاب السعودي إذن غير متوافر في المكتبات في الخارج حتى في البلاد الناطقة بالعربية، وهذا ما أوجد العلة التي خدع بها بعض المثقفين من السعوديين إحسانا منهم في الظن والله أعلم ومن أجل هذا وذاك كان الآتي.

أنقد أم مجاملة؟

عندما أراد بعض الكاتبين أن يرفعوا من قدر ما يكتبون طلبوا من المشهورين في الأدب أن يقدموا لمؤلفاتهم كي تكتسب قيمة أكثر عند مزامنيهم فكتبوا، لكن هل تعاملوا مع هذه النصوص مثل ما كانوا يتعاملون به مع نصوص ما كان يكتبه مواطنوهم من مزامنيهم مثل عبدالرحمن شكري حين نقد أشعار المازني فأثبت أنها مسروقة فثار المازني فنقده فيما يسمى (بالديوان).

أو كمثل نقد الرافعي للعقاد أو ما أشبه ذلك مما خلّفه من كانوا يسمون شيوخ الأدب في منتصف القرن الماضي الهجري وما قبله وما بعده كلا.

لقد كتبوا ما كان يريده أرباب تلك الكتب والجامعون أرباب المجموعات الشعرية أو النثرية.

وقد تكون دواوين شعرية أو ترجمات أو نحو ذلك مما يكتبه الكاتبون.

لا جدال في أن هذه الكتابات هي من باب المجاملة ربما كان المقدّم لم يقرأ ما يقدّم له بل ربما خالف في ذلك رأيه المعروف عنه والله اعلم ولكن لا نستطيع قبول تلك الأحكام على أنها صائبة.

وإذن ننتهي إلى أن أدبنا عن الكتاب السعوديين غير مقروء في البلاد الأخرى، ومن هنا ننتهي إلى البداية، وهو غربة الكتاب السعودي في بلاد الآخرين وربما في بلاده هو، وهذه مشكلة من أجلها كان ما قدّمته في برنامج (من المكتبة السعودية) ذلك الذي عاش قرابة ثلاثين سنة وسبق الحديث عنه.

ومما خدع به بعض السعوديين تلك الدراسات والمقالات التي دبّجها بعض الوافدين عن الأدب السعودي حيث عزاه بعضهم إلى التقليد، وهذا موضوع تحدث عنه الابن محمد بن عبدالله العوين في كتابه (المقالة في الأدب السعودي الحديث) بما فيه الكفاية بيد أنه كان مقتصدا في قوله في مثل هؤلاء الذين جنوا على الأدب السعودي فيما جرت بهم أقلامهم من نقد وتاريخ لهذا الأدب وأصحابه بل إن بعضهم أقبلوا عليه مقررين ومثنين وهم لا يعلمون أنه سب لهم وطعن فيهم وكفاءتهم وأهليتهم لأن يكونوا أهلاً للمسؤولية فكيف يعجب به هؤلاء؟، بل كيف يكتبه أولئك الذين أكلوا به الخبز. عجبي!

الوزارة المضيفة:

فيما مضى كانت المضيفة إحدى الجامعات؛ ولذا تقدمت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بطلب الإذن لها باستضافة المؤتمر الثالث هذا العام فكان ما كان والله المستعان.

وكان لإضافة (الثقافة) إلى (الإعلام) سبب واضح في ذلك لكن لِمَ لم تستضفه هذه الوزارة في الأعوام الماضية؟ ذلك ما لا حديث عنه الآن فالنصر إلى غيره حتى يحين حينه.

فمن هو وزير الثقافة والإعلام الآن؟ إن من المعلوم أن معالي الدكتور عبد العزيز خوجة ليس بغريب على الإعلام فقد صحب معالي الدكتور الفارسي وزير الحج الآن أيام أن كان وزيرا للإعلام، وكان أقوى معين له، وذلك قبل أن يكون سفيرا، ثم أتى الله به وزيرا للثقافة والإعلام؛ لذا لم يكن غريبا على الإعلام، ولم يكن من شأننا كتابة سيرة لهذا الرجل (عبدالعزيز خوجة) فحسبنا ذلك وإنما كانت إرادتنا الإشارة إلى هذه الوزارة التي أراد الله لها أن تشرف بعودته وزيرا لا وكيلا فكان مما قدّمته هذا المؤتمر المبارك إن شاء الله.

لقد كان لاستضافة هذه الوزارة لهذا المؤتمر أسباب كان من أهمها إضافة كلمة (الثقافة) إليها.

إن وظيفة هذا المؤتمر إعلامية فلا وجه لتبني الجامعات له إلا أن يكون جزءا من مهمتها الإعلامية، وهذا مسوّغ فهل كان من مقاصد الجامعات وهل أحسنوا في استعماله كعامل من تلك العوامل؟

ربما ولكن الواقع لا يساعد على ذلك.

هذه كلمة موجزة كل الإيجاز أردت بها معالجة موضوع الكتاب السعودي في خارج الحدود فقد عانيت من البحث عنه ما عانيت فهو كلام مجرب معان.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد