Al Jazirah NewsPaper Monday  14/12/2009 G Issue 13591
الأثنين 27 ذو الحجة 1430   العدد  13591
محطات مضيئة في مسيرة سلطان الخير ترصدها (الجزيرة) بمناسبة العودة الميمونة لأرض الوطن
سلطان بن عبدالعزيز يؤسس لأضخم برنامج للخزن الاستراتيجي في المملكة

 

والوطن اليوم يستقبل بكل الفرح والشوق عودة سمو ولي العهد -حفظه الله ورعاه- ولأن اسم سلطان بن عبد العزيز يرتبط بمعظم المشروعات الاستراتيجية في المملكة، فهو رجل الخطط المستقبلية، والمشروعات الحيوية التي يديرها أو يشرف عليها أو يرأسها، ومن هذه المشروعات المهمة: (برنامج الخزن الاستراتيجي) الذي يهدف إلى توفير مجموعة من الاحتياجات الحيوية من النفط وتخزينها في مواقع ذات مواصفات أمنية خاصة، لاستخدامها عند الضرورة، والاستفادة القصوى منها عند الحاجة.

ويرأس هذا البرنامج الأمير سلطان بن عبد العزيز، وقد تم توزيع المواقع التي تقام فيها مشروعات الخزن بطريقة تتيح الاستفادة الكاملة منها، حيث اختيرت الرياض وجدة وأبها والمدينة المنورة والقصيم كمواقع لتنفيذ المشروع، وتم ابتعاث وتدريب كفاءات سعودية لإدارة وتشغيل البرنامج، إضافة إلى إشراك المؤسسات والشركات السعودية في التنفيذ والصيانة التي عمل المشروع على رفع مستواها إلى مستويات عالمية.

وقد أدركت المملكة بحكمة قيادتها الرشيدة أن تراكم هذه الإنجازات يتطلب وضع خطط استراتيجية محكمة لكافة الاحتياجات والمدخلات الضرورية؛ للحفاظ على قوة الدفع التي يتطلبها الاقتصاد الوطني، وللاستمرار في التنمية على أسس ومرتكزات علمية وحديثة، تتناسب مع التقدم الذي حققته الدولة، وتحميه من تقلبات الظروف والطوارئ، خدمة للوطن والمواطن، وحفاظاً على مكتسباته ومنجزاته الثمينة. وبرؤية ثاقبة ونظرة بعيدة المدى وعت القيادة السعودية أن التنمية الاقتصادية التي تحققت للمملكة تتطلب قوة للحق تحميها من أطماع الطامعين، وتضمن رخاء المواطن، وتمكنه من العيش الكريم، في ظلال الأمن والاستقرار، لذا عملت القيادة الحكيمة على تطوير القوات المسلحة بنفس الهمة والحماس الذي تحقق في مجالات التنمية الأخرى.

ولهذا جاء التخطيط لإقامة المخازن الاستراتيجية للبترول المكرر في باطن الأرض، وقد اتسق مع التطور الذي حققته المملكة في كافة ميادين التنمية التعليمية، والصحية، والاجتماعية، والاقتصادية، حيث تراكمت الإنجازات التنموية، حتى أصبحت مثلاً يحتذى.

أهمية الخزن الاستراتيجي

أقيمت حتى الآن عدة مواقع للخزن الاستراتيجي في أنحاء المملكة، كان الموقع الأول بمدينة الرياض العاصمة سنة 1419هـ، وقد قام بافتتاحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد آنذاك) كما افتتح أيضاً موقع جدة في أوائل سنة 1423هـ، أما موقع أبها الذي افتتح في أواخر سنة 1423هـ فقد افتتحه سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز ثم افتتح سموه أيضاً في آخر سنة 1428هـ موقع المدينة المنورة.

ولا تقتصر أهداف برنامج الخزن الاستراتيجي السعودي على البترول الخام ومشتقاته، وإن كانت له الأولوية لأهميته الحيوية إلا أن برنامج الخزن يمتد إلى المياه وكل السلع الأساسية بما فيها المواد الغذائية الرئيسية كالأرز التي من الممكن أن تقع تحت طائلة الاستغلال والابتزاز تجارياً من الأطراف، كما حدث في أزمة الغلاء الأخيرة التي شهدتها المنطقة، ولهذا يؤكد سمو الأمير سلطان أن الخزن الاستراتيجي يجب أن يكون أداة من أدوات السيطرة على أسعار المواد المفاجئة خصوصاً في أوقات الأزمات، إذا ما أحسنت إدارته، مثلما أنه يشكل الخيار الوحيد لمواجهة أخطار الحروب والكوارث وتوقف الاستيراد لأي سبب من الأسباب. لهذا فإن المخزون الاستراتيجي لا يمكن أن يكون مسؤولية الدولة وحدها، بل إن للتجار دوراً فاعلاً في هذا المجال من خلال توفير السلع الأساسية الكافية لمواجهة المتغيرات الطارئة.

وقد ركزت برامج الخزن الاستراتيجي في البداية على البترول ومشتقاته بصفته المنتج الأساسي في المملكة والمصدر الرئيس للطاقة التي تتطلبها جميع القطاعات المنتجة، لتدوير آلات الإنتاج في المصانع والمزارع، ثم تدوير آلات الحركة في قطاعات النقل البري والبحري والجوي، وتوليد الكهرباء التي أضحت ضرورة ملحة للإنسان في شتى الاستخدامات اليومية في المنزل والعمل. وإذا كان للبترول كل تلك الأهمية في السلم، فإنه بلا شك أكثر أهمية في أوقات الحرب، بل تزداد الحاجة لمشتقاته بشدة؛ نظراً لأن الآلات العسكرية الحديثة لا يمكن تدويرها بدون مشتقات البترول ومهما كانت الاستعدادات العسكرية متقنة ومتمكنة، فإنها لا تعني شيئاً دون توفر الطاقة التي تحتويها المشتقات البترولية.

أثبتت التجارب البعيدة والقريبة، أن مرافق الإنتاج البترولية هي من أول الأهداف التي تكون عرضة للاعتداء في أوقات الحروب، والهدف من ذلك واضح، حيث إن تعطيل مرافق إنتاج المشتقات البترولية، يؤدي إلى وقف عجلة الاقتصاد والتضييق على مصادر العيش الضرورية للبقاء، ويؤدي إلى شل الآلة العسكرية، وإيقاف الدعم والتموين، الضروريين لمساندة المجهود العسكري، الذي لا يمكن أن يكون فاعلاً ومؤثراً ومستمراً دون أن تكون عناصر الإنتاج الاقتصادي في مختلف القطاعات الإنتاجية قادرة على توفير احتياجاتها من الطاقة اللازمة لتدوير آلات الإنتاج والحركة، والتخطيط الاستراتيجي لقطاع البترول ومشتقاته المكررة، وهي المصدر الأساس للطاقة في هذا العصر، حيث إنه يهدف أساساً إلى ضمان توفير هذه الطاقة في كل الظروف؛ ليصبح بذلك هدف المعتدي أكثر صعوبة، والوطن أكثر منعة وأمناً، وبوجود هذا المشروع بطاقته التخزينية الهائلة لتخزين المشتقات البترولية، يكتمل عقد منظومة مرافق البترول في المملكة من البحث والتنقيب إلى الإنتاج والتكرير، إلى التسويق والتوزيع، ثم الآن للخزن في منشآت بترولية، تعتبر الوحيدة المحصنة وغير المكشوفة لأهداف المعتدين، خاصة وأنها تقبع تحت غطاء صخري كثيف، وتراقب بسلسلة متقدمة من أنظمة الحماية والتمويه مما يدفع عنها بحول الله الضرر ويمكنها من الاحتفاظ بالمخزون وتوزيعه على الجهات المستفيدة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى هذه المنتجات، أضف إلى ذلك ما يمكن أن يحققه هذا المشروع من دخل إضافي وزيادة في القيمة المضافة للبترول في حال قامت شركة أرامكو بتسويق هذه المنتجات البترولية المكررة في السوق العالمي عند الحاجة لذلك، ومن المعلوم أن قيمة برميل البترول المكرر تبلغ عدة أضعاف قيمته من البترول الخام.

وقد أوضحت المعلومات والإحصاءات المتوفرة في هذا المجال، أنه مع اختلاف طرق التخزين المتبعة في الدول التي تملك مخازن استراتيجية، تبعاً لاختلاف طبيعة المواقع جغرافياً وجيولوجياً، ولاختلاف منسوب المياه، إلا أن جميع هذه الدول اتفقت على إنشاء هذه المخازن تحت الأرض بأعماق مختلفة، حسب طبيعة المكونات الصخرية للموقع وذلك لدواعي الحماية والتحصين، وعدم تمكين المعتدي من الوصول إليها.

أثبت التشغيل الفعلي لموقع الخزن بالرياض وجدة بعد النظر الاستراتيجي لدى الأمير سلطان بن عبد العزيز الذي قضى أن يرتبط هذا المشروع الاستراتيجي بدورة الإمداد والتوزيع في قطاع المنتجات البترولية المكررة، حيث أوضحت شركة أرامكو السعودية أن الدور الذي لعبه مخزون المشتقات البترولية في موقع الرياض أتاح لها توفير احتياجات السوق المحلي بيسر وسهولة، في الظروف الموسمية الطارئة والعادية كافة، كما أتاح لها مرونة عالية في جدولة أعمال الصيانة للمصافي، من دون ضغوط على حاجة المستهلك الملحة في كل الأوقات.

وكانت (أرامكو السعودية) قبل ذلك تتكبد مبالغ طائلة في سبيل توفير هذه المنتجات من المعروض في السوق العالمية، خصوصاً في موسم الحج وفي حالات الأعطال المفاجئة لأي منشأة من منشآتها ذات العلاقة بمراحل الإنتاج والتوزيع.

وانتهت هذه الدراسات إلى إنتاج أطنان من المخططات، والمواصفات الفنية التفصيلية لكل جزء من محطة الخزن تم تطبيق ما جاء فيها بدقة ومهنية عالية، نتج عنها الانتهاء من تنفيذ موقعي الخزن الاستراتيجي في الرياض وجدة، وتمت تعبئتها وتشغيلهما بنجاح تام دون عوائق.

كما تم تسليمهما إلى شركة أرامكو السعودية المكلفة بموجب التوجيهات السامية الكريمة بتشغيل وصيانة المشروع.

وقد أثبتت شركة أرامكو السعودية مرة أخرى أنها أهل لإدارة وتشغيل هذا المشروع الضخم، حيث استوعبته ضمن أنشطتها العديدة بكل كفاءة واقتدار.

جولات في المشروعات

وبإعطاء تشغيل هذه المشروعات إلى (أرامكو السعودية) التي أظهرت قدرة فائقة في الإدارة والتشغيل، وكان لها دور مؤثر وإيجابي في تعميق وإثراء الخبرة في القطاع الجيولوجي خصوصاً، وقطاع الهندسة والإنشاءات في المملكة بشكل عام، فقد أسفرت الدراسات الجيولوجية التي أجراها البرنامج في تنفيذ المشروع عن معلومات ثمينة في هذا القطاع، تبقى ملكاً للمتخصصين في المملكة يستفاد منها حسب الحاجة.

أما في قطاع الهندسة والإنشاءات فيمكن التدليل على مدى استفادة هذا القطاع باستعراض كميات بعض الأعمال التي نفذت في المشروع، إذ تجاوزت كميات الحفر في أحد مواقع مشروعات الخزن 18 مليون متر مكعب، وبلغت كميات الخرسانة المسلحة أكثر من 1.7 مليون متر مكعب، وأكثر من 188 ألف كيلو متر من الأنابيب، إضافة إلى أكثر من 5000 كيلو متر من الأسلاك والكابلات الكهربائية، ويأتي موقع جدة في المرتبة الثانية من ناحية تقدم أعمال التنفيذ بعد موقع الرياض، ويوفر المشروع لمنطقة مكة المكرمة احتياجات السوق المحلية من النفط في الظروف الموسمية الطارئة والعادية، كما يتيح لها مرونة عالية في جدولة أعمال صيانة المصافي من دون ضغوط على حاجة المستهلكين في كل الأوقات.

وقد قامت أرامكو السعودية بإجراء برامج تدريب على الاستجابة للحوادث النووية والبيولوجية والكيميائية في موقع الخزن الاستراتيجي بجدة، وتهدف هذه التجربة التي تعد الأولى من نوعها إلى تجنب الحوادث والكوارث التي ربما تحصل في مثل هذه الأماكن المعرضة للخطر، ومن ثم التأكد من جميع التجهيزات الخاصة بحالات الطوارئ مثل تسرب الغاز، وقد تم تدريب الموظفين على لبس الملابس الواقية وعلى إنقاذ المصابين ونقلهم من الموقع.

كما يعد هذا البرنامج إضافة متميزة للمسيرة التنموية، إذ إنه يحقق التكامل مع مشروعات ومؤسسات عدة، ويسهم في تفعيل طاقات هذه البلاد بطريقة تواكب ما هو حادث في أكثر دول العالم تطوراً، فقد رأينا كيف أن مراحل العمل المختلفة، بدءاً من التخطيط ومروراً بالتنفيذ ثم الاستخدام الفعلي للمنشآت تنطوي على تجارب لا يمكن الحصول عليها عند التعامل مع المشروعات العادية، إذ إنه في كل تلك المراحل يتم الاستعانة بالجديد في عالم التقنيات والهندسة بما يعزز من أهمية المشروعات، ويترك رصيداً من التجارب والمعارف العلمية التي يستفيد منها أبناؤنا في مختلف المجالات.

وقامت إدارة البرنامج السعودي للخزن الاستراتيجي قبل البدء في تنفيذ المشروع بسنوات عدة، بإجراء دراسات معمقة ومستفيضة حول أساليب التخزين الاستراتيجي في مختلف أنحاء العالم، وأجرت تقييماً دقيقاً لأنواع وطبيعة الصخور في مواقع عدة داخل المملكة، كما شمل العمل دراسة التاريخ الجيولوجي لكل موقع لتحديد ما إذا كانت أي واحدة من مكونات هذا التاريخ تشير إلى تحركات صخرية، تمنع إقامة المشروع في بطنها، كما أجرت دراسات عدة حول أساليب الحفر الملائمة لكل موقع بعد اختبارها، وأعدت مخططات هندسية مفصلة لكل فرع من فروع الهندسة ذي العلاقة بعلوم التخزين بالتعاون مع أكبر بيوت الهندسة الاستشارية، وانتهت الدراسات إلى إنتاج كم هائل من المخططات والمواصفات الفنية التفصيلية لكل جزء من محطة الخزن، ثم تطبيق ما جاء فيها بدقة ومهنية عالية نتج عنها الانتهاء من تنفيذ موقع الخزن الاستراتيجي في الرياض، والذي يعد مدناً صناعية تحت الأرض يصل عمق بعضها إلى أكثر من 190 متراً لخزن المنتجات النفطية المكررة، إلى جانب الاهتمام بتفصيل البيئة التي سيخلفها المشروع، حيث ركزت على مراقبة التسربات ووضع خطط لحلول عاجلة في حال وجود تسرب مهما بلغ حجمه.

ويحرص الأمير سلطان على التجول في أعماق محطات الخزن الاستراتيجي والوقوف على كل صغيرة وكبيرة بنفسه، ولعل وصفاً لجولته في محطة أبها تقدم لنا نموذجاً لهذه الجولات.. يقع موقع الخزن بأبها على بعد 40 كلم شمال مدينة أبها حيث يوجد مسار لأنابيب يبلغ طولها 240 كلم يعبر خلال جبال عسير الشاهقة ليغذي الموقع بالمنتجات البترولية من محطة التوزيع بجازان، وقد استقل سمو الأمير سلطان سيارة مكشوفة في جولة بين الأنفاق تحت الأرض ابتدأت بالمرور عبر نفق الكيابل ومن ثم إلى نفق الأنابيب الذي تمتد على طوله الأنابيب الرئيسية لتحمل المنتجات القادمة من محطة التوزيع بجازان إلى غرف المضخات الواقعة على امتداد ذلك النفق لضخ تلك المنتجات في كهوف التخزين.

اشتملت جولة سموه أيضاً الدخول إلى منطقة الخدمات وهي القلب النابض للمشروع، حيث تقع بها المنطقة المحمية من القنابل النووية والجرثومية والكيميائية ويوجد بها غرفة التحكم الرئيسة التي يمكن من خلالها تشغيل جميع معدات وأنظمة المحطة آلياً وبها أجهزة الكمبيوتر الرئيسة التي تم ربطها بأجهزة الكمبيوتر بشركة أرامكو السعودية لمعرفة حجم المنتجات المخزنة وجميع الأمور الخاصة بالبيئة، وهذا النظام مربوط أيضاً بمبنى وزارة الدفاع والطيران لكي تكون الوزارة على اطلاع دائم بحجم المخزون الاستراتيجي. وقد شاهد سموه بقية الخدمات في المنطقة المحمية تلك حيث تشتمل على مسجد ومطعم وسكن يكفي لـ(70) شخصاً يمكنهم العيش لمدة ثلاثين يوماً بمعزل عن الإمداد الخارجي وذلك لإدارة محطة الخزن أثناء الطوارئ.

ضخامة المشروع

خلال جولة لمشاهدة أحد كهوف التخزين من مطل علوي بأعلى الخزان، وعند وقوف سموه على المطل ابتدأ عرض جميل بالأضواء وأشعة الليزر اتضح من خلاله ضخامة الخزان من الداخل، وقام المهندس المختص بالشرح لسموه عن الاهتمام البالغ الذي حرص عليه مهندسو المشروع منذ بدء فكرة التصميم للمحافظة على البيئة من أي تسرب للمنتجات البترولية، مضيفاً أنه تم تصميم وتنفيذ عدة أنظمة بالغة الدقة خلف جدران المخازن الحديدية يمكن من خلالها اكتشاف أية كمية تسرب مهما صغر حجمها.

بعد ذلك استقل سموه العربة المكشوفة ثانية ليكمل الجولة عبر الأنفاق، مر خلالها على منطقة توليد الطاقة الكهربائية وورشة صيانة المعدات والآلات ونفق التهوية الرئيسي ليصل سموه إلى صالة الحفل الرئيسية بمنطقة زيوت التشحيم في محطة الخزن تحت الأرض.

كان هذا المشروع الذي يقع في أعماق الجبال تحدياً كبيراً لطبيعة الأرض، وفي الوقت نفسه يعد إثراء للخبرة الوطنية في القطاع الجيولوجي وقطاع الهندسة والإنشاءات في المملكة بشكل عام، حيث أسفرت الدراسات الجيولوجية التي أجراها البرنامج لتنفيذ المشروع عن معلومات ثمينة في هذا القطاع تبقى ملكاً للمختصين في المملكة يستفاد منها حسب الحاجة.

ويأتي مشروع الخزن الاستراتيجي بالمدينة المنورة ليكون الحلقة الرابعة بعد كل من الرياض وجدة وأبها، ويحتوي مشروع الخزن بالمدينة المنورة على محطة لتخزين المنتجات البترولية في أعماق الأرض تم ربطها بمصفاة ينبع بواسطة خط للأنابيب بطول 162 كم، وأشار مدير عام المشروع إلى أن الإمداد والتوزيع عبر شبكة الأنابيب التي تربط هذه المواقع بالمصافي ومحطات التوزيع قد قضى على المخاطر السابقة لشاحنات النفط التي استهلكت الطرق والوقت والجهد وعرضت الأرواح للخطر، وقال إنه بوجود هذه المشاريع أصبحت شركة أرامكو قادرة بفضل الله ثم عبر هذه الخزانات العملاقة على توفير ما تحتاجه من كميات الوقود في أحلك الظروف وأشدها ضراوة، بل ويمكنها أن تستثمر الوقود المخزن اقتصادياً وذلك بتزويد دول العالم في الحالات الحرجة وتعويض ذلك من الخزانات الكامنة في أعماق الأرض.

ومشروع الخزن الاستراتيجي بالمدينة المنورة الذي تبلغ نسبة العاملين السعوديين فيه 98 بالمائة بعد تلقيهم لتدريبات مكثفة أتموها بنجاح يرجع سبب إنشائه إلى حاجة البلاد إلى توفير سلعة النفط في وقت الأزمات والطوارئ وبنفس الكفاءة التي تتوفر فيها السلعة في الظروف الاعتيادية، ويهدف هذا المشروع إلى تعزيز نظام توزيع الوقود في المملكة وتوفير احتياجات السوق المحلية من هذه المشروعات وتنمية القوى البشرية السعودية، يقول مدير الشركة المنفذة للمشروع وليم هميفرين: إن هذا الموقع الذي يفتتح اليوم هو رابع موقع بعد افتتاح مواقع الرياض وجدة وأبها، مشيراً إلى أن حجم المخزون في هذه المواقع يعادل 85 بالمائة من إجمالي الحجم الكلي الذي تستوعبه مواقع البرنامج السعودي للخزن الاستراتيجي لتحقيقه مستوى عال من الأمن في مجال تخزين مشتقات البترول، وأشار إلى أن البرنامج ألحق معظم منسوبي الشركة من الموظفين السعوديين في دورات وبرامج تدريبية في داخل الموقع فور التحاقهم بالعمل إضافة إلى برامج تدريبية دولية بلغ عددهم أكثر من (3000) موظف سعودي اكتسبوا مهارات عالية في هذا المجال.

وفي رصد لمقومات المشروع بالأرقام بلغ المجموع الكلي لحجم حفريات الصخور تحت الأرض 4 ملايين متر مكعب، وبلغ مجموع أطوال الأنفاق تحت الأرض 30 كلم، وعدد قضبان تدعيم الصخور 130 ألف، وحجم الخرسانة المسلحة 600 ألف متر مكعب، ووزن الحديد المستخدم 70 ألف طن، وأطوال الأنابيب 150 كلم وأكثر من 3000 كلم من الأسلاك والكيابل الكهربائية، وأكثر من 177 كلم من كيابل الألياف البصرية، ويوفر المشروع الذي يحتوي على جزء لخزن المنتجات البترولية ضمان صلاحية المنتجات البترولية لتخزين طويل الأجل.

مما لا شك فيه أن المحافظة على المنتجات البترولية التي سيتم تخزينها في مواقع الخزن الاستراتيجي لأطول فترة ممكنة دون تغير في خواصها الطبيعية والكيميائية هي من الأهداف الأساسية التي سعت إدارة البرنامج لتحقيقها لذا قامت إدارة البرنامج بعمل دراسات وأبحاث مخبرية بهدف تحديد مواصفات المنتجات البترولية المراد تخزينها لضمان بقائها محتفظة بمواصفاتها وجودتها لأطول فترة ممكنة ولتنفيذ ذلك تم أخذ عينات من المنتجات البترولية المحلية من مصافي البترول بالمملكة والمنتجة طبقا للمواصفات المحلية لشركة (أرامكو) وأرسلت إلى معهد بحوث جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية بولاية (تكساس) وذلك لإجراء التجارب والاختبارات المعملية على العينات للتأكد من صلاحيتها للتخزين الطويل في ظروف مماثلة للأجواء المناخية بالمملكة وعلى ضوء نتائج التجارب المعملية أمكن تحديد المتطلبات الفنية لمواصفات البرنامج للمنتجات البترولية المحلية قبل التخزين الطويل والتي تضمن استمرار وتخزين هذه المنتجات البترولية بمواقع البرنامج مع المحافظة على جودتها ومواصفاتها القياسية لفترة طويلة ولحد أدنى سنتين وذلك لإطالة مدة التخزين قدر المستطاع قبل إعادة تدوير هذه المنتجات المخزنة بكميات أخرى جديدة والأخذ في الاعتبار عند وضع هذه المتطلبات الفنية قدرة المصافي المحلية على إنتاج مثل هذه المنتجات بالإمكانيات المتاحة حالياً.

الرؤية الحكيمة

وتحوي مشروعات الخزن الاستراتيجي السعودية على مناطق محمية من القنابل النووية والكيميائية والجرثومية، ويوجد بها غرفة التحكم الرئيسة التي يمكن من خلالها تشغيل جميع معدات وأنظمة المحطة آلياً، وتحتوي على أجهزة الحاسب الرئيسة التي تم ربطها بأجهزة شركة أرامكو السعودية لمعرفة حجم المنتجات المخزنة وجميع الأمور الخاصة بالبيئة، وهذا النظام مربوط أيضاً بمبنى وزارة الدفاع والطيران بالرياض، لكي تكون الوزارة على اطلاع دائم بحجم المخزون الاستراتيجي.

ويقول تقرير صادر عن برنامج الخزن الاستراتيجي أنه يؤدي دوراً حيوياً ومهماً بالنسبة للمملكة، ففي أوقات السلم يضمن المشروع استمرار تلبية الاحتياجات الوطنية كافة من المنتجات البترولية من دون توقف، كجزء من أنظمة الإمداد والتوزيع التابعة ل(أرامكو)، أما في وقت الحرب، لا قدر الله، فإنه يضمن تغطية احتياجات القوات المسلحة من المنتجات النفطية، إلى جانب احتياجات القطاعات المدنية الحيوية المهمة، كقطاع الزراعة والصناعة والنقل، كما أن المخزون الاستراتيجي للمنتجات من الخارج سواء في حال مواجهة مواقف حرجة، لا قدر الله، في الإنتاج من المصافي المحلية أو زيادة مفاجئة في الطلب لبعض أنواع المنتجات البترولية، وكان الرصيد المحلي منها لا يكفي لتغطية هذه الطلبات.

وقد استطاعت المملكة أن تدرك ما أدركته أكثر الدول تقدماً في هذا المجال، مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا والسويد والنرويج، التي أنشأت مخازن استراتيجية ضخمة للبترول ومشتقاته، إضافة إلى الغاز الطبيعي ضمن مرافقها البترولية، وكان ذلك بطبيعة الحال حلماً يراود دولاً أخرى كثيرة لم تستطع تحقيقه حتى الآن، حسبما أوضحته الدراسات المتخصصة بالتخزين الاستراتيجي، وكان لضخامة المشروع في مختلف مواقعه المنتشرة في المملكة دور حيوي ومهم في تنمية قطاع الإنشاءات المدنية والهندسية وقطاع الصناعية والنقل والخدمات على مختلف أوجهها، على مدى السنوات العشر الماضية، وسيستمر هذا الأمر فاعلاً مؤثراً لسنوات أخرى، حيث إن عدد الشركات التي أسهمت في هذا المشروع تجاوزت الألف شركة، وعمل فيه خمسة آلاف مواطن من مختلف التخصصات الهندسية والإدارية والمهنية تم تدريبهم على أعمال التصميم والتنفيذ والإدارة والتشغيل والصيانة، وتمكنوا بعد ذلك من إدارة وتشغيل موقع الرياض بكل كفاءة واقتدار.

إن المملكة، في تشييدها لهذا المشروع، قد حققت إنجازاً فريداً في هندسة وعلوم التخزين الاستراتيجي، حيث إن مرافق المشروع الضاربة في أعماق الأرض، تحتوي على أنظمة وتقنيات هندسية تمثل آخر ما توصلت إليه التقنية الحديثة، وقد تحقق ذلك، بفضل الله، بعد أن قامت إدارة البرنامج السعودي للخزن الاستراتيجي، قبل البدء بتنفيذ المشروع بسنوات عديدة، بإجراء دراسات معمقة، ومستفيضة، حول أساليب التخزين الاستراتيجي في مختلف أنحاء العالم، وأجرت تقييماً دقيقاً لأنواع وطبيعة الصخور، في عدة مواقع في المملكة، اشتمل على دراسة التاريخ الجيولوجي لكل موقع، لتحديد ما إذا كانت أي من مكونات هذا التاريخ، تشير إلى تحركات صخرية تمنع من إقامة المشروع في باطنها. كما أجرت دراسات متعددة حول أساليب الحفر الملائمة لكل موقع بعد اختياره، وأعدت مخططات هندسية مفصلة لكل فرع من فروع الهندسة ذات العلاقة بعلوم التخزين، بالتعاون مع أكبر بيوت الهندسة الاستشارية في العالم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد