Al Jazirah NewsPaper Tuesday  12/01/2010 G Issue 13620
الثلاثاء 26 محرم 1431   العدد  13620
 
رياح الاقتصاد توجه شراع السياسة التركية!
عبد الإله بن سعود السعدون

 

تميز عهد الرئيس الراحل نوركوت اوزال بالانفتاح الاقتصادي، فقد استطاع الرئيس اوزال وبشجاعة بالغة أن يعلن مجموعة إصلاحات اقتصادية غيرت المسيرة الاقتصادية التركية المغلقة إلى الانفتاح العالمي ومرر قوانين جديدة تنظم الاستثمار الأجنبي وتهيئ له المناخ الاقتصادي والتشريعي المناسب والمشجع على دخول الرساميل الأجنبية إلى قطاعات الاقتصاد الوطني المختلفة بدعم وضمان حكومي واعتماد مبدأ الخصخصة الاقتصادية للمشاريع الحكومية والتي كانت عبئاً ثقيلاً على الخزينة الرسمية التركية لخسائرها المستمرة ورافق هذه الإصلاحات الاقتصادية تقويم الليرة التركية حتى تسهل حركة التجارة العامة مع الدول الأجنبية وشمل الانتعاش الاقتصادي في عهده كافة القطاعات الاستثمارية وتأسيس السوق المالي وتضاعفت البنوك الأجنبية داخل تركيا، كما ازداد الإنتاج الصناعي والزراعي ونشطت حركة السياحة وأطلقت عليه الصحافة الأجنبية آنذاك لقب (ايرهارد تركيا)!

والعلاقات الثنائية بين تركيا والعالم العربي مرت بمراحل مختلفة اتسمت بعمقها وقوتها وعُقدت العديد من الاتفاقيات الثقافية والسياسية والاقتصادية، كان أكثرها دون تفصيل في الجانب العربي وتركت الساحة خالية معتمدين على الموروث العاطفي وقراءة التاريخ المشترك دون توثيق ذلك بسياسة استراتيجية مشتركة وملزمة للجانبين، نعم إن هناك ترحيبا كبيرا بهذا الهدف بين كلا الجانبين ولكن لا بد من الخطوة الأولى والدور في تأديتها يقع أكثر على الجانب العربي مع إدراك الوضع الأمني والسياسي المقلق الذي تعيشه منطقتنا وبالذات سواحل خليجنا العربي من التهديدات الإقليمية والتصدير المذهبي والطمع الاقتصادي في مكاسبنا الطبيعية والرغبة الحاقدة والحاسدة لتحويل استقرارنا الأمني إلى حالة من الارتباك والقلق المستقبلي. هناك العديد من العوامل المشتركة بين الأمة التركية والعربية ولا بد من تأكيد هذا المشترك لتعزيز الحلول المقترحة لكل المشاكل المطوقة بعالمنا الإسلامي فتركيا تعاني ولفترة طويلة من حركات الانفصال القومي الكردي عن الوطن الأم وتعريض وحدة التراب الوطني للخطر وهي مخالفة وخيانة يعاقب عليها الدستور التركي ولا يسمح بها وعلى العالم الإسلامي تقديم العون للدولة التركية أيضاً للأكراد بمناقشة هذه القضية الهامة كملف رئيسي يتناوله المسؤولون في منظمة العالم الإسلامي ومن خلال مؤتمر إسلامي تطرح الحلول بشكل يرضي كافة الأطراف، فالأكراد والعرب والألبان والشركس والترك عاشوا سوياً وبحرية كاملة في عهد الخلافة العثمانية. وكذلك مساندة تركيا في عرضها لقضية الشعب المسلم في قبرص وضمان حقوقهم الدستورية، كمواطنين من الدرجة الأولى في جمهورية قبرص الموحدة وقد تكون المشاركة في إيجاد الحلول أيضا في قضية العرب الأولى فلسطين ومع ذلك الوسيط العادل والذي لم يرضي إسرائيل إلا أننا نتمنى دوراً أكثر قرباً من الحق الفلسطيني في تحقيق دولته المستقلة على ترابه الوطني وقد يكون اللعب إقليميا أوسع داخل ساحة الشرق الأوسط هاماً، فتركيا لها علاقات وثيقة ومقبولة أوروبيا وأمريكياً ونقل وجهة النظر العربية في عرض لقضاياه المصيرية إلى النادي الدولي أصحاب القرار فيه، فالعراق يغلي بدمائه حتى وصل إلى حالة الفوضى الأمنية وأفغانستان مهدد بالتمزيق الجغرافي والبشري، والتهديد النووي على خليجنا العربية والذي نخشى نتائج هذه المغامرات الدولية بأسلحة الدمار الشامل ولا بد لموقف تركي عربي مشترك للتصدي لهذا الخطر وأن يكون صمام الأمان لكل زحف جغرافي وتوسع مذهبي ولا بد ولا بد أن تدرك سلطة الحكم في إيران والتي تنتهج السياسة المذهبية أنه لا يمكن لأحد كائن من كان أن يمتد إقليميا وأن يضع أصابعه التي يعتقد أنها طويلة وهو لا يرى إلا أضلافها فإنها ستبقى عنده أمام عينيه للتمسك الإقليمي الوحدة الوطنية لدول مجلس التعاون العربي، إن كل تعاون استراتتيجي موسع بين تركيا الحديثة والعالم العربي مرحب به من جميع دول المنطقة ويفتح المجال واسعا لتنشيط حركة تدافق رأس المال العربي في استثمارات اقتصادية كبرى تشمل الصناعات البتروكيماوية والزراعية والسياحية ومجالات عديدة أخرى تشمل كافة القطاعات الاقتصادية وبصورة عادلة تحقق المنافع الوطنية المشتركة بين الأمتين التركية والعربية.

وجاء اختيار الأكاديمي أحمد داوود أوغلو وزيراً للخارجية نقلة كما حددها البروفيسور داوود أوغلو في كتابه (المميز) (العمق الاستراتيجي للسياسة الخارجية التركية) وشكل تطبيق هذا العمق الاستراتيجي الجديد انفتاحا واسعا وجديدا على الدبلوماسية التقليدية التركية، فنفض غبار الإرث التاريخي للعداء الأرمني التركي بتوقيع اتفاقية إنشاء تبادل دبلوماسيي بين تركيا وجمهورية ارمينيا وفتح الحدود بينهما في مدينة جنيف وبشهادة دولية ممثلة بحضور وزير خارجية أمريكا وروسيا. ولهذا التحرك السياسي ما يبرره اقتصاديا لأهمية الأراضي الأرمنية كممر إستراتيجي لشبكة الخطوط الناقلة للبترول والغاز القادمة من روسيا ودول آسيا الوسطى الإسلامية والتي تنتهي عند السواحل التركية لإعادة تصديرها إلى أوروبا وإسرائيل. إن الدور التركي الإقليمي المنتظر يحمل صفة الأهمية القصوى لدول المنطقة العربية من أجل تحقيق السلام والأمن للمنطقة بأجمعها، وبدأ صوت تركيا يسمع بوضوح في المجالات الدولية لنصرة القضايا العربية العادلة وعلى رأسها قضية فلسطين.إننا نتطلع لمشروع واسع من التعاون الاستراتيجي بين تركيا والعالم العربي أوسع وأبعد بكثير من التعاون التجاري وأرقام التبادل المشترك فكل الفرص والمحفزات الاستثمارية التركية والعربية مرحب بها ونسعى جاهدين لنضعها في مرحلة التنفيذ والذي نتمناه مد الجسور الصلبة والقوية بين الشعبين الشقيقين التركي والعربي برعاية صادقة ومخلصة من قيادتي الأمة العربية وتركيا والتي ترقى إلى مستوى الامتياز المشترك من الثقة والرؤية الصادقة التي تهدف لصالح الأمة العربية والإسلامية.

* محلل اقتصادي - عضو هيئة الصحفيين



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد