Al Jazirah NewsPaper Tuesday  12/01/2010 G Issue 13620
الثلاثاء 26 محرم 1431   العدد  13620
 
هذرلوجيا
جمهور يبحث عن شاعر!!
سليمان الفليح

 

قلنا في المقال السابق إن الشعر العربي الحديث قد تكرّس كلون جديد (انشعب) أصلاً كرافد حديث من المعين الأساسي للشعر العربي الأصيل وإن حاول بعض الغُلاة الاستحواذ على هذا الرافد وفصله كلياً عن المنبع الأصل وخلق مصطلحات ومفردات استنباطية من خلال مقولة (تفجير اللغة) لتلائم احتياجات العصر وتحرير الشاعر كلياً من كل شروط أساسيات الشعر باعتبارها نمط (رجعي) يحدّ من (تقدم) الشاعرية وانطلاقها إلى آماد أرحب بدون أية قيود قد تكبل المخيلة الشعرية وهذه المحاولة الاستحواذية وإن قُبلت في بعض الأقطار ولدى بعض الشعراء إلا أنها قد أفرزت فريقين متضادين أحدهما يصر على التمسك بوحدة التفعيلة - والقافية الداخلية بينما يصر الفريق الآخر على التجاوز الكلي وتجريد القصيدة حتى من الإيقاع الظاهر لتتحول إلى قطعة من النثر الجميل الذي يحتوي على إيقاع ساكن أو (جواني) كما درجت هذه المفردة (العامية) كاصطلاح (نقدي!!) يستخدمها هذا الفريق باعتبارها ناتجة عن فعل (تفجير اللغة) الذي أشرنا إليه سابقاً(!!) وبالطبع في هكذا حالة وهيمنة هذا الفريق على منابر الشعر من خلال ما يملكه من صحف ومهرجانات ومنتديات، فقد تمادى -في لعبة التحديث- إلى أن أوصل القصيدة إلى ما سمي ب(النص المفتوح) ليتخلص الشعر كلياً حتى من موسيقاه (الجوانية الساكنة) مما أتاح الفرصة شاسعة لل(موهومين) لا (للموهوبين) الذين دمروا الذائقة كلياً وانفض الجمهور كلياً عن الشعر الحديث وبقي حتى الشعراء المبدعين الحقيقيين الذين يكتبون القصيدة الحديثة الحقة بلا جمهور بجريرة هذه (الخلطبيطة) التي أحدثها تهور غلاة التحديث وغوغاء الكلام و(غلمان) تحرير الصفحات الثقافية الجهلة. وهذه الحالة التي لا تسّر أدت إلى اقتصار جمهور الشعر الحقيقي على من يملكون الذائقة العالية والنُخب الثقافية والشعراء أنفسهم (وللاستماع إلى بعضهم البعض)! وفي دوائرهم الضيقة. وهذه الحالة أيضاً أفضت إلى نكوص الشعراء، وتقوقعهم، وعزل من لم يستوعب هذا الواقع الجديد وانفصاله عن الشارع، بينما الشارع ظل يموج بجمهور عريض يبحث عن شاعر يتحدث عن همومه وآلامه وأحلامه ومشاعره بلغة يفهمها و(قريبة من قلبه وأذنه وعقله) لا سيما إذا عرفنا أن الشعب العربي بشكل عام وأهل الجزيرة العربية بشكل خاص هم شعب شاعري يجلّ الشعر ويقدره ويتذوقه و(يتداوله) في حياته اليومية بل (يقوله) أو (يكتبه) ولو في مجاله الاجتماعي أو الشخصي الضيق، لذلك أفرز هذا الشارع شعراءه من نفس الجمهور الباحث عن شاعر يعبر عنه، لذلك برز الشعراء الشعبيون وأعطاهم الجمهور حقهم من التقدير والاحتفاء و(الشعبية) أيضاً وأرجو هنا أن لا ينبري لي أحد الزملاء أو الأصدقاء المدافعين عن الفصحى واعتبار هذا الشعر قد (أتيح) له المجال والمنابر والتشجيع والتكريم أكثر من الشعر -الأساس- أي الفصيح- سواء أكان هذا الاهتمام رسمياً أو شعبياً، إذ هنا ليسمح لي من يرى ذلك أن أقول له بكل محبة - مع أنني معه في الذود عن الفصحى وشعرها الفصيح أيضا باعتباري أحد المتمسكين بها ومن يكتبون الشعر الفصيح (بل والحديث منه تحديداً ومن الذين جرّبوا كتابة القصيدة الحديثة بكل تمرحلاتها التي أشرت إليها آنفاً في هذا المقال)، أقول ليسمح لي - أننا كشعراء فصحى كنا نحتل كل المنابر الإعلامية ونسيطر على كل الصفحات الثقافة ولم نكُ نسمح حتى بنشر مفردة عامية بلهجة الشارع فكيف كان الحال إذن مع قصيدة شعبية يقدمها لنا شاعر شعبي واحد في زمن هيمنة الشعر الفصيح (حينما كانت له تلك الجماهيرية التي لم يحلم بها أكبر شاعر شعبي في ذلك الزمان) ثم إذا كان هنالك منبر رسمي (تلفزيون أو إذاعة) قد هيئ للشعر الشعبي فهو لا يتعدى حلقة أسبوعية فقط مقصورة على الشعراء الكبار، أما الشعراء الشعبيون في ذلك الوقت فلا مجال لهم على الإطلاق لأنهم يكتبون بلهجة حديثة تعبر عن واقعهم المعاش ولا تتفق مع مقاييس الشعراء الكبار لقصائد (النبط) المحدودة الأغراض آنذاك.

لذلك لجؤوا إلى رموزهم الثقافية -الأقرب فهماً له- لإيصال صوتهم الشعري -الشعبي- الحديث إلى جيلهم ومساعدتهم في إيجاد منابر جديدة (غير منابر الكبار) وكنت أول المبادرين!!.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد