Al Jazirah NewsPaper Friday  15/01/2010 G Issue 13623
الجمعة 29 محرم 1431   العدد  13623
 
الوهم
سليم صالح الحريص

 

في مكان ما.. تكتشف نفسك.. وفي ذات المكان إنّما الوقت مختلف تبحث عن نفسك من جديد.. في ليلة ما.. تحار في تفسير شيء يخصك.. وفي رابعة النهار تستطيع قراءة نفسك.. ولكن في لحظات ما.. أيضاً.. لا تستطيع التفريق بين صواب وخطأ.. أو بين أبيض وأسود.. وتصديق وتكذيب!!.

الاكتشاف الوحيد الذي لا تغالط نفسك عليه أنك لست مطالب من الآخر.. لست مديناً لأحد قد يأتيك آخر الشهر مطالباً ما بذمتك.. أو مُطالب باسترداد ما حصلت عليه بطريقة أو بأخرى.

في أحيان كثيرة يتضاد الأبصار لديك.. عين تُصاب بقصر النظر والأخرى ببعد النظر.. فلا تقطع الشك بتأكيد عن المسافة وبعدها.. وقد لا تميز بين الصورة والصورة، مشكلتك حين تُوصف بقصر النظر.. لا ببعد النظر.. والتحسس المفرط لا بسعة الصدر.. بضيق الأفق.. لا باتساعه.

كثيرٌ تدقق في الصور.. تعرف حقيقتها.. وتعرف تفاصيلها.. ولديك القناعة المطلقة في تفسير كنهها.. لكنك تقنع نفسك بسذاجة أن ما تعرفه غير صحيح وما تعرفت عليه غيري واقعي.. فتبقى سادراً في طريق التيه.. وتفسيرك الخاطئ للأمور.. وتتكرر المواقف ولا تعبه بها.. وتتعثر خطواتك ولا تتوقف كي تمحص ذلك الشيء الذي عثرها...

تتعامل مع الأشياء بعفوية.. بصدق طوية.. وبياض سريرة.. لكن الآخر لا يراها كذلك، بل تجده وقد نعتك بصفة أو جملة من الصفات..!!!.

أنت في رحلة.. وأيامنا هي رحلة، وأحداث اليوم هي في سياق الرحلة.. لكنك تتوهم كثيراً إن اعتقدت بأن ما تسمعه أو تعيشه أو تتعرض له هو شيء طبيعي.. بريء.. خلي من.. أمر غير مقصود.. و... و... و..

قد يكون كذلك.. مرة.. مرتين.. ثلاثاً.. لكنه يتكرر مرات عديدة.. تكون في قمة الغباء إن صدقت بأن ذلك يتسم بالعفوية.. غبي إن أنصت لتبرير.. كون ذلك استغباء لك إن صدقت. وتسطيح لمعرفتك وعرفك.

له الحق في أن يتصرف كما يشاء لكن ليس من حقك المساءلة عن سبب هذا الفعل أو حتى مناقشته عنه.. ربّما أنه يرى نفسه بمنظار آخر.. من زاوية أخرى.

قد أصبح ما تبحث عنه وهماً.. حلمك أن تجد المعاملة بالمثل صار من أحلام اليقظة.. الوهم أننا نقنع أنفسنا بوجود هذه المثاليات التي ولت بلا رجعة.. وفي زمن اكتسحت أيامه المسلسلات والتمثيليات واصطبغ بكل لون ولون. إلا اللون الذي تبحث عنه.

قد تحبط كثيراً.. وتواجه خيبات أكثر بقناعاتك والتي جرّعتك مراراتها وعلقمها.. وحنظلها.

في لحظات اندفاعك.. لا ترى إلا الطريق الذي تسير عليه، وفي لحظات صحوك تمور ذاكرتك بأسئلة.. وتجيب عليها بنفسك بإجابات (تكذب فيها على نفسك) وتصدقها.

في أحيان كثيرة تتحمس فروة رأسك لتجد نفسك معلّقاً بين ما تصدقه أنت وبين ما هو حقيقة..!!.

هي ملامح قد تأتيك.. صورة قد تطالعها بين الفينة والأخرى.. قد تحمل قسماتها شيئاً من.. وقد تكون هلامية.. وقد لا تكون.

قد يلبسك الليل حلة الوجع.. ويطغى الحنين ونبرة الحزن على رنة الصوت. وفي حين آخر يبتسم لك الليل فيحملك على أشرعة من ضياء.. فيطعنك النهار بمدية التهرب والتبعد. والتبريرات كثيرة.

تتوه.. بين ليلة وليلة.. نهار ونهار.. وفعل وقول.. أيهما الأصدق..؟..

تنشغل عن كلِّ من حولك تنتابك نوبات.. تريد أن تغادر.. لكنك لا تود أن توصف بالهروب.. أو تنعت بالضعف.

بالتأكيد قد مللت من حال وحال.. وسئمت من تلوّن الأحوال، وتبلّد إحساسك بتعدد النغمات، وعلك المفردات، تبقى محاطاً بين أربعة جدران تكتسي الملامح الباردة.. الباهتة.

فاقدة لنبض الحياة ودفئها.. وبالتأكيد الجدران الأسمنتية لا تعطيك الدفء في ليلة شتائية.. عليك أن تتمهل.. لا تندفع..

لا تكن سخياً في عواطفك.. فربما تفاجئك مفاجآت الطريق فتكتشف أنك تعيش في وهم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد