Al Jazirah NewsPaper Tuesday  19/01/2010 G Issue 13627
الثلاثاء 04 صفر 1431   العدد  13627
 
نوافذ
الباب العالي
أميمة الخميس

 

زرعت القومية العربية بين العالم العربي وبين تركيا غابات من الرماح والسيوف والأساطير، وطوقته بأسلاك شائكة تتغذى على دماء شهداء حروب الاستقلال وخطاب وأدبيات القومية العربية التي تورط بها العالم العربي دهوراً.

تركيا اليوم تلج من الأبواب المشرعة والجوائز وصيت قوة استراتيجية تنعقد عند بسفورها أوروبا وآسيا.

لكن أي تركيا التي تخطو إلى المكان؟ هل هي تركيا الخلافة والسلاطين، الباب العالي وأحفاد أرطغرل، محمد علي وقطار الحجاز وجوع (سفر برلك)؟ أم نغور أعمق في الزمن لنصل إلى أسوار سامراء والمعتصم عندما استدنى أخواله ليوازن أجنحة ملك بني العباس من سطوة فارس؟ أيهم؟ هل هم المماليك البحرية أم البرجية؟

هل هي تركيا الحديثة العلمانية القوية، وجيشها المتجهم الصارم الذي يحمي إرث أتاتورك من محيط غارق في الخرافة؟

أم تراها تركيا أردوغان ذي البزة الغربية الأنيقة والحزب ذي الجذور الإسلامية الذي يطمح إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دون أن يقدم الكثير من التنازلات تُفقد تركيا هويتها؟

أياً كانت هوية تركيا القادمة اليوم لكنها باتت موجودة في المنطقة بشكل مورق واعد مهّد لحضور جاليتها الواسعة التي لها إرادة الأناضول الصلبة، والتي تتقن فتح أسواق للمصانع التركية، صناعة (الدونر)، وحلاقة الشعر، لننتهي إلى مسلسلاتها التي خلبت لب المشاهد في العالم العربي.

تركيا اليوم بوجهها المستفيق من تاريخ صعب ومثقل بالتحديات، تخطر إلى المكان فوق صهوة جياد مشرئبة، لتمر عبر أقواس الترحاب، بتحالف يتجاوز إرث الباب العالي، وأوجاع شعارات القومية العربية، ويصنع نوعاً جديداً من السياسات تتجاوز الشعارات والإنشاء وزعيق الخطاب التثويري، الذي لم يسُق سوى المشاحنة والبغضاء في المنطقة. تركيا تتقدم بثبات وبوعي المتحضر الذي يعي أهمية العالم العربي الذي يمثل العمق الاستراتيجي لحدودها، مستثمرة دورها كبوابة مفصلية بين الشرق والغرب.

تركيا تستجيب لمد العولمة لكن بشروط لا تبخس دور المنطقة أو تاريخها, تعلم أن التحالفات باتت تقوم على أسس اقتصادية (فهي أقوى وأدعى للديمومة) وأن المنطقة يجب أن تقوم على توازنات تتصدى لمخطط الشرق الأوسط الجديد بنكهته الإمبريالية، وأسواق الشركات العابرة للقارات.

تركيا تنقض غزل الجامعة العربية التي نجد أن دورها يشحب يوماً إثر الآخر، وأن رموزها تخبو شعبيتهم تدريجياً في ظل غياب الدور الفاعل لهم على مستوى العمل العربي المشترك، وعجزهم عن النهوض بمشروع عربي مشترك وناجح وقادر على أن يتجاوز الخلافات.

(الجامعة العربية عجزت عن أن تحتوي خلافاً دامياً وصعباً بين دولتين جارتين بسبب مباراة لكرة القدم)

اليوم تركيا في المنطقة بأجندة متحضرة وأفق واسع ولغة عملية تعكس الواقع، بعد دهور من شعارات القومية التي أهدرت السنين بالجعجعة ولم يرَ أحد منا طحينها.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد