Al Jazirah NewsPaper Monday  25/01/2010 G Issue 13633
الأثنين 10 صفر 1431   العدد  13633
 
الفقراء
عبد الرحمن الحبيب

 

(ليس خطؤك أن تولد فقيراً، ولكنه خطؤك أن تموت فقيراً!).. هكذا قال بيل جيتس أغنى أغنياء العالم؛ فكأنه يلوم الضحايا على فقرهم، بدلاً من أن يلقي اللوم على الأسباب الخارجة عن سيطرة الفقراء، فهم ضحاياها..

فهناك من يرى أن الفقراء ضحايا ظروف سيئة وفوضى اقتصادية وعوامل خارجية لا ذنب لهم فيها، وعلى نقيضهم يرى فريق أن ذلك عائد لأسباب ضمن سيطرة الفقراء، وعليهم أن يتقدموا اعتماداً على أنفسهم وجهودهم لكي يحسنوا من مصيرهم، بينما فريق ثالث يرجع أسباب الفقر إلى كل من المشكلات الداخلية للفقراء والأسباب الخارجية المفروضة عليهم.

وامتداداً للمقالتين السابقتين عن الطبقات الاجتماعية من المهم أن نعرف، هل يشكل الفقراء في الدول غير الفقيرة طبقة اجتماعية مستقلة يمكن تحليلها وفرز نمط معيشتها وطريقة تفكيرها وبالتالي تقديم مقترحات اجتماعية لهذه الطبقة ووضع إستراتيجية لمكافحة الفقر؟ ومن المهم أن نعرف، أين وصلت الدراسات العلمية المتقدمة في إجابتها على هذا السؤال.

تبدأ الدراسات الكلاسيكية مما أشار له كارل ماركس في منتصف القرن التاسع عشر عن الفقراء ك(بروليتاريا) رثَّة باعتبارهم فئة مهمشة اجتماعياً مقابل الطبقة العاملة (البروليتاريا الحقيقية) التي ستغير المجتمع الرأسمالي. لكن أغلب المحللين آنذاك رأوا أنه من الصعوبة اعتبار الفقراء طبقة اجتماعية بسبب أن الحراك الاجتماعي في الدول الصناعية يمنع ثبات الطبقة الاجتماعية، حيث الفرص مواتية لتحول أفراد الطبقة الاجتماعية الأدنى إلى طبقة أعلى.

إنما منذ منتصف القرن العشرين، ظهر علماء اجتماع مثل لابنس في فرنسا وأوسكار لويس في أمريكا، وأوضحوا عبر دراسات مبنية على إحصائيات، أن السكان الفقراء في الدول الغنية تشكلوا عبر أجيال كجماعة حقيقية لها نظام ومعتقدات وأنماط سلوك ينقلونها لأولادهم عبر التنشئة الاجتماعية، وبالتالي يمكن أن نطلق عليهم صفة طبقة اجتماعية؛ وتبعاً لذلك، فهناك ما يمكن أن يطلق عليه «ثقافة الفقر».

وحسبما أشار أستاذ الاجتماع يانيك لوميل، فإن صياغة أطروحة حول ثقافة خاصة هي ثقافة الفقر خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، لاقت معارضة قوية في المجتمعات الصناعية، لأن هذه الفئات الفقيرة تسهم في الثقافة العامة للفئات العمالية والطبقة الوسطى، ومن ثم فهي ليست طبقة مستقلة. لكن منذ التسعينيات أكدت الأبحاث أن الفقر مستمر منذ عقود في البلدان الصناعية، وأنه لم ينخفض أبداً، بل إنه زاد في مناطق محددة في الدول الغنية، مما يعني أنه يمكن الكلام عن طبقة سفلية، وإن كان بشكل نسبي. هذه الطبقة لديها قناعات وأنماط سلوك واستعدادات نفسية مما أعاد أطروحة «ثقافة الفقر» إلى التداول من جديد، حيث تتشكل مناطق تزيد فيها نسبة الجريمة والأمية والسكان المعتمدين على الإعانات الحكومية والمساعدات الاجتماعية.. إلخ.

ما الذي تغير عالمياً بين منتصف القرن العشرين حتى تسعينياته، كي تستعاد مقولة ثقافة الفقر؟ إنها البطالة.. فقد زادت أضعافاً في أغلب دول العالم حتى الغني منها. فمثلاً يوضح لوميل أن نسبة البطالة في فرنسا تراوحت بين 1 و2% منذ الخمسينيات حتى منتصف السبعينيات، لكنها أخذت ترتفع تدريجياً حتى وصلت إلى أكثر من 10%. وأحد الاحتمالات هو أن ثبات نسبة البطالة بهذا الارتفاع لمدة طويلة يعمل على تحديد موقع طبقي، أي طبقة سفلية: بمعنى نمط حياة وموقع اجتماعي ونظام قيم للعاطلين المزمنين قد يبرر اعتبارهم جماعة اجتماعية خاصة. وهنا وبحسب أطروحة شنابر (Schnapper) تتحدد «ثقافة الفقر» بغياب العمل. وعلى الرغم من أن الدراسات التجريبية (الاستقرائية) لم تدعم أبداً وجود مثل هذه الثقافة، فإن طرحها أصبح قوياً كي تدرج في توصيفات البنى الاجتماعية.

وبالنسبة لواقعنا السعودي فقد رأت الإستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر في السعودية أن مشكلة الفقر الحقيقية ليست قضية مالية فقط، إنما حصيلة لعدد من المكونات والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد عرَّفت هذه الإستراتيجية الوطنية الفقر بأنه عدم القدرة على تحقيق أدنى من مستويات المعيشة، يمكِّن الأفراد والأسر من مقابلة الاحتياجات الأساسية للحياة، من غذاء وكساء ومسكن وتعليم وصحة، في إطار مجتمع محلي معين.

وصنَّفت هذه الإستراتيجية نوعين من الفقر في السعودية: الفقر المدقع وحددت خطه بـ 1724 ريالاً، والفقر المطلق وحددته بـ 3818 ريالاً في الشهر للأسرة على أساس أن عدد أعضائها يبلغ ستة أفراد. وقدرت نسبة الذين يعيشون فقراً مدقعاً بنحو 1.63% مقابل 18.9% للذين يعيشون فقراً مطلقاً عام 2005 (تركي الصهيل، صحيفة الشرق الأوسط).

وحسب المصدر الأخير فإن نسبة المشتغلين من السعوديين بلغت 32% فقط من إجمالي السعوديين الذين هم في سن العمل، مما يزيد من العبء الاقتصادي على الأسرة ويزيد معدل الإعالة، فيما المعدل العالمي للمشتغلين هو 50%. وقد قدرت المصادر الرسمية نسبة البطالة في السعودية بنحو 10%، بينما مصادر أخرى تقدرها بحوالي 14% (مؤسسة التمويل الدولية).

وحددت الإستراتيجية خمسة أسباب لتفشي الفقر في السعودية، وهي: ارتفاع معدل الإعالة، انخفاض الدخل، انخفاض الإنتاجية وتدني الأجور، التفاوت التنموي بين المناطق، والإدارة غير الجيدة في بعض المؤسسات. واقترحت إستراتيجية معالجة الفقر عبر الدعم المالي المباشر والتأمين ضد البطالة وزيادة المداخيل والأجور وتوفير الفرص الوظيفية وإقامة المدن الاقتصادية لدمج الفقراء في العملية التنموية، مع ضرورة رفع مستوى المعيشة من إسكان وتعليم وصحة.. ويصاحب ذلك التحفيز على العمل وتقديم القروض للمشروعات والاستثمارات الخاصة الصغيرة والمتوسطة ورفع القدرات والتدريب..

ليس موضوع المقالة مناقشة الحلول المطروحة بل التعرض لفكرة تشكل طبقة فقيرة وما ينتج عن ذلك من مساعدة في التشخيص والحلول. الدراسات والتقارير المحلية لم تشر للمسألة الطبقية لحالة الفقراء، لكن يمكن ملاحظة ما تشير له من تركز الفقر في مناطق معينة أكثر من غيرها، إضافة لتركزه في أحياء معينة في المدن. إن التركز المزمن للفقر في مناطق وأحياء معينة يمكن أن يكون قد نتج عنه نشوء طبقة فقيرة لم نلحظها. وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من دراسة صفات هذه الطبقة اجتماعياً وثقافياً لكي لا يتشكل في داخلها، على حين غفلة منا، ثقافة جديدة هي ثقافة الفقر.. هذا إذا لم تكن تشكلت فعلاً!!



alhebib@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد