Al Jazirah NewsPaper Monday  25/01/2010 G Issue 13633
الأثنين 10 صفر 1431   العدد  13633
 
بين الكلمات
هل فشلت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني؟!
عبد العزيز السماري

 

الموارد البشرية ثروة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال المبادرات العظيمة، والحضارات العظيمة قامت على سواعد أبنائها، وما حققته اليابان وكوريا الجنوبية والصين من اختراق غير عادي لمقاييس النمو الإنسانية دليل على أننا أيضاً قادرون على تحقيق ذلك.. لكن أغلب اقتصاديات دول الشرق العربي تفتقر إلى الموارد البشرية الفنية المدربة، والقادرة على إحداث التنمية، كما تُعاني من غياب البنية التحتية الأساسية «المؤسسية والتنظيمية والقانونية» الضرورية لسلامة تفاعل الآليات والقوى المختلفة..

التساؤل الذي يجب أن نعيد طرحه مراراً.. لماذا فشلت المؤسسة العامة للتدريب المهني في تحقيق أهدافها العملية في العقود الماضية؟، ولماذا نجحت شركتا أرامكو وسابك في تطوير مواردهما البشرية، ولماذا أيضاً تم تحقيق نجاح غير عادي في مجالات التدريب الصحي بمختلف مستوياته المهنية؟.. فالموارد البشرية الطبية في العقد الماضي تتميز بجودتها العالية، وأيضاً بتطور مستوى الإشراف عليها، فالهيئة السعودية للتخصصات الطبية تقوم بدور حيوي في تحسين مستوى الجودة النوعية في الإنتاج البشري الطبي، إذ تمت معالجة دورات التدريب الصحي العشوائي، وتم مراقبتها وتنظيمها.. لكن الإخفاق ظهر بوضوح في منتجات الكليات التقنية والمعاهد المهنية التي ضاعت مواردها بدون دراسة الأسباب، ثم العمل على معالجتها، ويستدعي عدم ظهور مواردها في السوق المحلية مراجعة حقيقية لأسباب إخفاقها، ولا أعتقد أن الأمر يتعلق بإدارة المؤسسة العامة التعليمية والفنية، لكن يتعلق بكيفية التعامل مع تلك الموارد البشرية الهائلة بعد تخرجها، وبمفردات أخرى لم يجد خريجو المؤسسة العامة من مختلف التخصصات التشجيع المادي والمعنوي في العمل المهني، ولم يتم تأسيس ثقافة مهنية مبنية على احترام هذه المهن..

قبل ذلك كان من المفترض أن يتم وضع كادر مهني خاص لهؤلاء، يتميز بارتفاع دخله المالي عند مقارنته بالوظائف المكتبية، وذلك من أجل جذب الموارد البشرية إلى هذا القطاع، ونظام الخدمة المدنية الحالي لا يُفرِّق بين العمل التقني والعمل المكتبي، وهو ما يجعل الوظيفة المكتبية أكثر إغراءً من العمل المهني التقني..

قد تعطي التجرية الأسترالية دليلاً على كيفية تشجيع اكتساب مثل هذه المهارات، والتي كانت تقدم رواتب مجزية لخريجي الثانوية العامة إذا عملوا في بعض المهن التي لا تحظى بالشعبية مثل: السباكة والكهرباء وميكانيكية السيارات وغيرها.. قبل أن يلتحقوا بالجامعة، وكانت نتيجة ذلك المشروع الذكي أن بعضهم أكمل دراسته في نفس المجال، أو استمر في العمل المهني بعد أن وجد فيه الدخل المالي المجزي، وكما ذكرت أعلاه المبادرات العظيمة فقط تقهر المستحيل وتحقق الهدف..

تتطلب المرحلة الحالية ضرورة تأسيس هيئة «مستقلة» تماماً عن إدارة المؤسسة العامة، وعلى غرار هيئة التخصصات الصحية، وذلك أولاً لتسجيل مختلف المهن، وتصنيفها، ثم إصدار رخص لكل مهنة، وذلك أولاً من أجل إحصاء أصحاب المهن، ونسب السعوديين بينهم، وثانياً لفحص ومراقبة جودة ومهارة وكفاءة المستورد والمنتج البشري من الكليات التقنية..

علينا أن نحاكي قصة النجاح في التدريب الطبي المحلي، وأن نتجاوز الفشل العربي المزمن في دورات الخطط التنموية للموارد البشرية، وبهذا التوجه نستطيع طرد القلق غير المبرر من قنابل الانفجار السكاني، لأنها بمثابة الثروة الوطنية إذا تم استغلالها بالشكل المطلوب، وأن نتوقف قبل ذلك عن السير في الاتجاهات العشوائية، ولكي نكتسب الخبرات الميدانية يجب أن نتجه من خلال طريق موحد نحو المستقبل، فالطريق يصنعه المشي.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد