Al Jazirah NewsPaper Sunday  31/01/2010 G Issue 13639
الأحد 16 صفر 1431   العدد  13639
 
الزعامة الأسبانية للغجر في أوروبا
جورج سوروس

 

إن التمييز المستمر ضد الغجر في أوروبا لا يشكل انتهاكاً لكرامة الإنسان فحسب، بل إنه يُعدُّ أيضاً مشكلة اجتماعية كبرى تشل جهود التنمية في بلدان أوروبا الشرقية التي يوجد بها تجمعات سكانية كبيرة من الغجر. وتستطيع أسبانيا، التي كانت أكثر نجاحاً في التعامل مع مشكلة الغجر لديها مقارنة ببلدان أخرى، أن تأخذ زمام المبادرة هذا الشهر حين تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي. إن ما يقرب من 12 مليوناً من الغجر يعيشون في أوروبا اليوم، ويتركز أغلبهم في شرقها. وبالرغم من النمو الاقتصادي الذي شهدته المنطقة ككل على مدى العقدين الماضيين، فإن الحياة بالنسبة للعديد من الغجر أصبحت الآن أسوأ من أي وقت مضى. وأثناء العهد الشيوعي كان الغجر يحصلون على الوظائف والإسكان. ولكن الصناعات الثقيلة، حيث كان العديد منهم يعملون أصبحت الآن مغلقة، وانتشرت البطالة بينهم. فضلاً عن ذلك فإن العديد من الغجر يعيشون في ظروف بائسة ولا تليق بأوروبا الحديثة.وتؤدي التوترات الاجتماعية إلى تفاقم هذه المصاعب الاقتصادية. وغالبية السكان يتسمون بالعداء الشديد تجاه الغجر، والتمييز ضدهم يحدث على كافة المستويات. على سبيل المثال، كثيراً ما يوضع أطفال الغجر تلقائياً في فصول مخصصة للمعوقين ذهنياً، لمجرد كونهم من الغجر. وعلى الرغم من الأحكام القضائية التي تأمر بالإصلاح، فإن الغجر يُحرَمون على نحو منتظم من الحق في الحصول على السكن، والتعليم، والرعاية الصحية، الأمر الذي يعمل على خلق حلقة مفرغة من الفقر والتهميش، فيعزز الواقع والصورة النمطية كل منهما الآخر على نحو انعكاسي. لقد بدأ الاتحاد الأوروبي يدرك ببطء أنه يواجه مشكلة اجتماعية كبرى. فبسبب حرمانهم من الفرص في الشرق انتقل العديد من الغجر إلى أوروبا الغربية، الأمر الذي أدى إلى نشوء موجة جديدة من العداء. وفي إيطاليا يشكل الأسلوب الذي تتعامل به حكومة بيرلسكوني مع الغجر -هدم المنازل وتسجيل بصمات أصابع الغجر استناداً فقط إلى أصلهم العرقي- انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان. الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء منصب مفوض الحقوق الأساسية الجديد، الذي من المقرر أن تبدأ جلسات تأكيده في شهر يناير - كانون الثاني؛ ولكن الانتهاكات لم تتوقف بالرغم من ذلك. وعلى الجانب الإيجابي سوف نجد أن عقد إدماج الغجر، الذي تأسس في عام 2005م، الذي يتلقى دعماً قوياً من الصناديق البنيوية التي تديرها المفوضية الأوروبية، بدأ في إحراز بعض التقدم. إلا أن هذا ليس كافياً لعكس اتجاه تلك الموجة المتصاعدة من العنف والتمييز، التي تفاقمت بفعل الركود الاقتصادي الأخير. إن المطلوب الآن يتلخص في وضع استراتيجية أوروبية شاملة لمعالجة قضايا الغجر عبر الحدود. وهذه الاستراتيجية لا بد وأن تعالج الظروف المعيشية التي لا تطاق والقوالب النمطية العدائية السائدة بين غالبية السكان، وذلك لأن كلاً من العاملين يعزز الآخر. إن المسألة ليست مجرد قضية خاصة بحقوق الإنسان، بل إنها قضية اقتصادية أيضاً. فإذا استمرت الميول الديموغرافية الحالية، سوف يصبح أكثر من 40% من سكان المجر في سن العمل من الغجر بحلول عام 2040. والإحصائيات مماثلة في البلدان المجاورة. وما لم يحصل الغجر على التعليم الجيد وما لم يتم إدماجهم اجتماعياً - وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع الواقع اليوم - فإن المستقبل الاقتصادي لهذه البلدان يبدو قاتماً. إن مفتاح النجاح يكمن في تعليم جيل جديد من الغجر الذين لا يسعون إلى الاندماج في عامة السكان، ولكنهم يتعمدون الاحتفاظ بهويتهم كغجر. ولا شك أن مجرد وجود أمثلة من الغجر المتعلمين الناجحين كافٍ لتحطيم القوالب النمطية السلبية السائدة. وأنا أتحدث هنا استناداً إلى بعض الخبرة فيما يتصل بهذا الموضوع. فقد جعلت الشبكة التابعة لمؤسستي من تعليم الغجر أولوية لها منذ بدأت العمل في المجر في عام 1984، ثم في مختلف أنحاء أوروبا الشرقية منذ عام 1989. ولقد أسفرت هذه الجهود عن تخريج نخبة من الغجر من ذوي التعليم الجيد والذين يشكلون الآن إسهاماً مهماً في تحرير الغجر. لقد شق هؤلاء القادة الطريق أمام أنصار المستقبل، ولكن عددهم ما زال ضئيلاً للغاية حتى الآن. لقد عملت مؤسستي، بالتزامن مع البدء بالعمل بعقد إدماج الغجر في عام 2005م، على تأسيس تحالف مع البنك الدولي ونقل برامج تعليم الغجر إلى صندوق تعليمي مخصص للغجر تم تأسيسه حديثاً. وفي العام الماضي تولى الصندوق بشكل مباشر مساعدة ثلاثين ألفاً من أطفال الغجر وثمانمائة من طلاب الجامعات. كما قدمت المؤسسة دعماً لا يقدر بالمال لأنظمة التعليم العامة في البلدان الأعضاء لتعزيز جهود إدماج الغجر. ويخطط الصندوق الآن لمضاعفة أنشطته في غضون الأعوام الخمسة المقبلة، ولكن مرة أخرى، هذا لا يكفي. إذ ينبغي أن تنمو هذه الخطط إلى عشرة أمثال حجمها الحالي حتى تكون كافية لتغطية الاحتياجات الفعلية. إن حجم هذا التحدي يتطلب استجابة مؤسسية شاملة من الاتحاد الأوروبي تتجاوز أهداف عقد إدماج الغجر وقدرات مؤسساتي. وفي حين تشدق برنامج الغجر الأوروبيين الذي بدأ في عام 2009 بقضايا الغجر، فإنه لم يحرز القدر الكافي من التقدم. ويتعين على أوروبا أن تضع استراتيجية طويلة الأجل مرتبطة بالبرامج وآليات الرصد القادرة على إحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع. والواقع أن أسبانيا جديرة بأن تفخر بالطريقة التي تعاملت بها مع الأقلية بين سكانها من الغجر. وإنني لأرجو أن تبني الرئاسة الأسبانية للاتحاد الأوروبي على خبرتها من أجل ترسيخ استراتيجية أوروبية شاملة في التعامل مع قضايا الغجر. وإذا تولت أسبانيا قيادة الطريق فسوف تجني أوروبا بالكامل الفوائد في نهاية المطاف.

خاص الجزيرة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد