Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/02/2010 G Issue 13650
الخميس 27 صفر 1431   العدد  13650
 
بيض المدير
علي الخزيم

 

في زمن ليس بالبعيد كانت فئة من الموظفين تستعيب الإفطار في مقر العمل أو أمام العاملين لأسباب عدة منها الخجل والتقيد بتعليمات بعض رؤساء الدوائر الذين يمنعون ذلك، وثمة سبب يراه البعض مهماً يتعلق بالعرف الاجتماعي في كثير من أجزاء الوطن العربي وهو أن من يفطر في مقر عمله فهو يعاني من الإهمال في المنزل من قبل زوجته أو أن لا زوجة له عملياً؛ بمعنى أنه متزوج ومطلق في آن واحد، وهو طلاق أطلق عليه حديثاً (الطلاق العاطفي) فهما زوجان لا تربطهما علاقة عاطفية محفزة لعناية أحدهما بالآخر والاهتمام بشؤونه، وما بقاء رباط الزوجية بينهما إلا لسبب ثانوي كالأطفال أو الخوف من ألسنة المجتمع المحيط واللوم الأسري ممن لا يعلم بهشاشة العلاقة بينهما، وهناك من يحتجون بأنهم يفقدون الشهية للإفطار كونهم ممن تعودوا السهر والعشاء المتأخر لذلك فهم زبائن دائمين عند محلات الفول والتميس ويحضرونها معهم لمكان العمل وتزايدت هذه الظاهرة حتى أن رسماً كاريكاتيرياً نشر محلياً قدم هذه الحالة بطريقة ساخرة مختصرة تثير العطف مع الأسى على أوضاع أولئك العاملين وهم يتناولون وجبة الإفطار فولاً وتميساً بزيت وفلفل مع الشاي بمكتب رئيس القسم الذي بدا وهو يلتهم الرغيف المميز حجماً ونوعاً وعدد من الموظفين يتلذذون بأطباق إضافية ملحقة بالفول، وفي تفاصيل الرسم الساخر ما يكفي للإقناع أن فئة من الموظفين لا زالت تعيش صراعاً بين الرغبة الذاتية ومفاهيم العيب الاجتماعي وصعوبة انفكاكهم منها فكأنهم يرتكبون ذنباً أو يقترفون عاراً، وفي رأيي أن الأمر لا يحتمل التعامل معه بهذا القدر من الحساسية، فالرجولة والكرامة والقوامة لا تخدشها أو تقلل منها وجبة إفطار خفيفة في المكتب لا سيما إذا كانت الظروف تدعو لذلك حرصاً على وقت العمل ومواعيده بما في ذلك الاجتماعات، ولتكن اجتماعات (إفطار عمل) على غرار (غداء.. عشاء عمل) ثم انظر إلى فاتورة الحساب!! غير أن دوائر ومنشآت في المدن الكبرى قد حلت المشكلة بفتح المجال الاستثماري لشركات التغذية والمطاعم ذات الإمكانات العالية لإدارة مطاعم على مستوى جيد تقدم وجبات بأسعار معقولة للراغبين من الموظفين، وبعض الدوائر تسمح بتوصيل الطلبات من مطعم المنشأة إلى مكاتب الموظفين في حدود المعقول لتوفير الوقت لإنجاز العمل.. وبين هذا التصور وذاك سمعت أن رؤساء أقسام في بعض الدوائر يقومون بجولات تفتيشية مفاجئة بين مكاتب الموظفين لرصد (المتفولين المتتمسين) أثناء وقت العمل داخل المكاتب لكنهم لا يعارضون التوجه للمطعم، وروى لي أحدهم ما يدعو للابتسام ذلك أن مديراً وجه لفت نظر لأحد الموظفين لأنه ضبطه متلبساً وهو يضيف الشطة إلى الفول استعداداً للانقضاض عليه برغيف التميس بالسمسم، وبعد سويعة توجه هذا الموظف لمكتب المدير لتقديم الاعتذار، ولأنه رجل عرف داخل الإدارة بالطيبة وحسن الخلق فقد رحب به السكرتير وسمح له بالدخول فوراً ففوجئ بالمدير يقشر بيضاً مسلوقاً استعداداً لالتهامه مع شيء من المشهيات؛ فماذا حدث؟! قاسمه المدير البيض وتوابعه بشرط أن لا يخبر بقية الموظفين، إلا أن الموظف بعد أن حمد الله نشر الخبر بين الدوائر المجاورة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد