Al Jazirah NewsPaper Thursday  25/03/2010 G Issue 13692
الخميس 09 ربيع الثاني 1431   العدد  13692
 
الشخصية السعودية ذلك اللغز المحير؟!
ندى الشهري

 

لفت نظري مقال لأحد الكتاب بعنوان: «هل الشخصية السعودية لغز مستعص؟» وتساءل: هل لدينا علماء نفس للشخصية لدراسة ذلك اللغز المحير الذي يختفي وراء أقنعة فرضتها ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده والتنشئة الاجتماعية وغيرها من محددات يطول شرحها، أم لا؟

قبل التعقيب على مقال الكاتب الموقر، لابد أن نتطرق للحديث عن الشخصية باختصار حسب رأي العلماء والفلاسفة قديما وحديثا. فلفظ «الشخصية» من الألفاظ الدارجة على لسان معظم الناس وكثيراً ما نسمع شخصاً يصف آخر بقوله: فلان ذو شخصية غامضة، أو ضعيفة، وفلانة ذات شخصيات متعددة، إلخ، ولشيوع اللفظ على ألسنة الناس وفي الكتب والصحف اليومية، أصبح هذا اللفظ بسيطا ومفهوما لا يحتاج إلى تعريف أو إيضاح، ولكن الأمر يختلف اختلافا كبيرا إذا انتقلنا إلى مجال العلم؛ فإذا سألت شخصا أن يحدد لك اللفظ تحديدا دقيقا فإنك تصل إلى تعريفات مختلفة وكثيرة تختلف من شخص لآخر إذ هو غير محدد كما يبدو لمعظم الناس.

ففي اللاتينية القديمة كان «لفظ برسونا» بمعنى «القناع» وحده المستخدم ولقد ارتبط هذا اللفظ بالمسرح اليوناني القديم إذ اعتاد ممثلو اليونان في العصور القديمة ارتداء أقنعة على وجوههم لكي يعطوا انطباعا عن الدور الذي يقومون به وفي الوقت نفسه لكي يجعلوا من الصعب التعرف على الشخصيات التي تقوم بهذا الدور، فالشخصية ينظر إليها من ناحية ما يعطيه قناع الممثل من انطباعات! أو من ناحية كونها غطاء يختفي وراءه الشخص الحقيقي، ويتفق هذا القول مع التعريفات التي تنظر إلى الشخصية من ناحية الأثر الخارجي الذي تحدثه في الآخرين أكثر من التنظيم الداخلي.. ومع مرور الزمن أطلق لفظ «برسونا» على الممثل نفسه أحياناً وعلى الأشخاص أحيانا أخرى، وربما كان ذلك على أساس أن الدنيا مسرح كبير وأن الناس ليسوا سوى ممثلين على مسرح الحياة. ولعل أقوى المؤثرات في استمرار وبقاء فكرة «القناع» هذه عبر الأجيال القديمة فلسفة أفلاطون والتي تمثل أصدق تمثيل الفلسفة المثالية والتي مازالت قائمة حتى الآن، إذ لا يزال البعض يعتقد أن «الشخصية هي مجرد الواجهة التي يفترض أن يكمن وراءها جوهر ما».

أما في العصر الحديث فقد ظهرت حركات كثيرة في ميدان علم النفس مهدت السبل أمام ظهور هذا الفرع الخاص الذي عرف باسم «علم نفس الشخصية» والذي يركز على الفروق الفردية المميزة لهذا الشخص عن ذاك الآخر، فلو كان جميع الناس متشابهين تماماً في كل شيء لما كان ثمة احتمال لظهور مفهوم الشخصية إلى الوجود.

وقد أورد لها علماء النفس العديد من التعريفات نذكر منها:

- «الشخصية هي مجموع ما لدى الفرد من استعدادات ودوافع وغرائز فطرية وبيولوجية واستعدادات مكتسبة».

- «الشخصية أسلوب التوافق العادي الذي يتخذه الفرد بين دوافعه الذاتية المركز ومطالب البيئة».

وليس ثمة شك أن خبرات الطفولة المبكرة لها تأثير واضح على شخصية الفرد وكذلك الأسرة التي تعلب دورا جوهريا في تشكيل شخصية الطفل، وكذلك الوارثة والبيئة وغيرها من المحددات الثقافية والاجتماعية..

وإذا عدنا إلى الحديث عن استفسار الكاتب الموقر عن الشخصية السعودية وأقنعتها؟ أقول: إن بعض الشخصيات السعودية، فعلاً بمثابة اللغز المحير، فهي ترتدي الأقنعة في حياتها اليومية وعبر الثقب الإلكتروني، ففي المنزل لها قناع وفي العمل قناع، ومع الأصدقاء قناع، فنحن لا نحب أن يعرف الآخرون عن شخصياتنا الحقيقة شيئاً ونخجل أن تظهر على السطح؟ ويبالغ البعض منا في التمثيل والتلون، عند التعامل مع الآخرين، فزمن البراءة والوضوح، والنقاء والصراحة المحببة ولى واستبدله البعض منا بالخداع والكذب والزور..إلخ، لأننا في حياتنا العادية قد نجد أنه من الضروري أحيانا أن نغلف ذواتنا الحقيقة بغلاف خادع ونلبسها قناعاً لتبدو للعالم في مظهر يتفق والجماعة، وهذا الوجه قد يبدو غريبا تماما عن وجداناتنا ومقاصدها الحقيقية، فالإنسان يشتق قناعاته من الأدوار التي يقررها له المجتمع.

وللأسف الشديد لا يوجد لدينا علماء نفس للشخصية، كل الذي أعرفه أن هناك قلة قليلة من المتخصصين في الطب البشري تحولوا للطب النفسي وتخصصوا في فروع محددة فيه، ولا نعلم عنهم إلا معلومات محدودة في إعلامنا السعودي، وتعلونا الدهشة والاستغراب حينما نراهم يطلون علينا من قنوات أخرى! بسبب تقصير الإعلام في استضافتهم والتعريف بهم، فتلقفتهم القنوات الأخرى بكل حب وتقدير.

وحتى لو تمت دراسة الشخصية السعودية من قبل علماء نفس الشخصية فإني أرثي لحال العلماء من الأسوار والمطبات الصناعية «التي ستواجههم لسبر أغوار بعض الشخصيات، فالسعوديون لا يذاع لهم سر» فهم دائما كتومون، متحفظون، متجهمون، حذرون.

يمكنهم أن ينجحوا في سبر أغوار المرأة السعودية، لأنها تحب هذا النوع من الدارسة فهي تحب الفظفظة والثرثرة ونشر الغسيل اليومي (البعض منهن طبعاً).

وكم كنا نتمنى أن يكون لدينا علماء نفسانيين لدراسة شخصياتنا وتثقيفنا وإزالة الأسخام المترسبة في داخل ذواتنا المتعبة وإلى أن يأتي ذلك الوقت (ستبقى أقنعتنا تحت وسائدنا) لأن بعضنا بات لا يستطيع العيش من دونها وهذا ليس ذنبنا بل يتحمله المجتمع الذي نعيش فيه والعادات والتقاليد وثقافة الكبت والقمع.. والتي ولدت لدى البعض من أفراد المجتمع شخصيات مزدوجة، إذا عوتب عند انكشافها اكتفى

بوضع قناع آخر وتبرير آخر؟!!

آخر الأقنعة:

سقط القناع فغدوت أبشع ما يكون

وجه كوجه الحيزبون

ونذالة فوق الظنون

لم يأمل الشيطان يوما أن تكون!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد