Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/03/2010 G Issue 13694
السبت 11 ربيع الثاني 1431   العدد  13694
 
حاجة سوق العمل وشبابنا لـ(ثقافة التوظيف)
السفير م. أحمد بن حمد اليحيى

 

من منا يكره أن تأتيه الوظيفة على طبق من ذهب، لكن بلا شك.. ما كل ما يتمناه المرء يدركه.. يعز علينا أن نرى مئات الشباب والشابات عاطلين عن العمل بينما البلاد تعج بآلاف الوظائف والمهن.. ثمة فئة من شبابنا تركض خلف

الوظيفة وتجاهد من أجلها، منهم من يفلح في الحصول عليها ومنهم من يخفق وهؤلاء كثر، ولكننا نرى آخرين ربما من غير قصد -حتى أولئك الذين في صفوف الجامعات - ينتظرون أن تأتيهم الوظيفة سعياً حال تخرّجهم وهم قاعدون في منزلهم بين أفراد أسرهم، أو بمجرد أن يسجل الشخص اسمه لدى مراكز وزارة الخدمة المدنية أو مكاتب العمل بعد تخرجه أو حتى حال تركه وظيفة إذا كان موظفاً سابقاً، ثم تبدأ مسيرة الانتظار، فإن طالت به بدأ الشاب يتذمر من طول عطالته عن العمل، حتى بات من يلحظ كثرة هذه الحالات يخيّل إليه أن البلاد قد خلت من الوظائف.

هذه المشكلة مدعاة للتأمل والتفكّر.. هل العلّة في شح في الوظائف أم أنها في آلية التوظيف، أم أن الشاب لم يحسن الاستدلال عليها أصلاً، جاهل بأوصافها وصفاتها. فلو نسبنا هذه المشكلة لشح في الوظائف في سوق العمل فلن يكون تشخيصنا دقيقا فالبلاد تعج بآلاف الوظائف والمهن، وما ال(7) ملايين وظيفة التي يحتلها حالياً عمالة وافدة إلا دليل على أنها تمثل فرصاً وظيفية، بعضها متاح والآخر واعد لأجيال هذا الوطن.. إذن ما دامت الوظائف متوافرة حتى لو كان عن طريق الإحلال، أي إسكان سعودي في الوظيفة مكان وافد، فلا عذر أن تنساب عملية استيعاب العاطلين عن العمل في وظائف البلاد، لكن يبدو أن ثمة علّة مختلفة أراها تتمثل في وجود خلل في آلية الوظائف ولعلّها غياب ما أسميه ب(ثقافة التوظيف) في سوق العمل إن جاز لي إطلاق هذه التسمية. وعليه أحسب أن سوق العمل في قطاعات التوظيف عامة تحتاج في عصرنا الحاضر إلى إشاعة ثقافة التوظيف في سوق العمل، وفق آلية توعوية فاعلة، حيوية وسلسة، تأخذ في مسيرتها مجمل الاعتبارات النمطية لسلوكيات فئات شباب وشابات مجتمعنا، وكذا تأخذ في أدبياتها مخزون أنظمة العمل والتأمينات الاجتماعية ولوائحهما، من مواد حقوقية وحمائية تراعي مصلحة العمل، وتتناغم مع عادات المجتمع وتقاليده وموروثاته الإيجابية.

كي نناقش هذه القضية بشيء من الصراحة والشفافية بما لها وما عليها.. أقول إن عملية التوظيف في سوق العمل بالقطاع الخاص مع أنها تواجه تعنتا من بعض أصحاب المنشآت فإنه يشوبها أيضاً ضبابية في آليتها مما ساهم في تعثرها وعدم قدرة طالبي العمل على التفاعل والتكيّف معها، ولا أستبعد أنها تشكل عنصراً آخر يساهم في سواه في شيوع البطالة بين الشباب. أشعر بأن كثيراً من الشباب طالبي العمل السعوديين يجهلون معلومات عن مواصفات الوظائف ووصفها المهني، فهم يدخلون سوق العمل للتسجيل بينما بعضهم خالي الوفاض من معلومات حول طبيعة العمل وأوصاف الوظيفة وشروطها، ناهيك عن جهل الكثير منهم بواجباتهم حيال أصول تأديته الوظيفية وبالمقابل واجبات صاحب العمل حيالها، تلك الأحكام التي تنص عليها لوائح العمل المرعية، وكذا جهل الشباب بحقوقهم وأساليب حمايتها التي ضمنها لهم نظامي العمل ونظام التأمينات الاجتماعية وهي كثيرة لا تحصى في هذه المقالة، لكنها في الأخير تحقق الأمن الوظيفي لهم وتضمن حقوقهم أثناء العمل وعند تركه. تلكم ثقافة عصرية تفتقر لها عملية التوظيف في هذا الزمن الهادر لضمان نجاحها. وإنني اطلعت على انطباع بعض الشباب ممن قابلتهم عن أن الأمن الوظيفي لا يتحقق إلا في الوظيفة الحكومية، مدنية كانت أو عسكرية، وأن وظائف شركات ومؤسسات القطاع الخاص ليست سوى محطات انتظار يستغلها الشاب ريثما تتهيأ له الوظيفة الحكومية، وهو انطباع خلق أمامه انطباعاً معاكساً من لدن بعض أصحاب العمل، مما أضعف ثقتهم في عدم استقرار الموظف السعودي في الوظيفة، فظنوا أن وظائف شركاتهم ومؤسساتهم في مهب ريح مهددة بالترك المفاجئ ممن يتجاوبون في تشغيله طوعا أو حرجا. من باب آخر يؤخذ العتب دائماً على وحدات التوظيف في الشركات والمؤسسات الكبرى، تلك التي غالبا ما يديرها موظفون أجانب، معظمهم لا يفقهون (ثقافة التوظيف) وأدبياتها، وإن أدركها بعضهم فلا يلفهم الحماس لتطبيقها ربما خوفا على مناصبهم من منافسة شباب الوطن لهم، فهم يستقبلون الشباب المحولين إليهم ببرود، ويتناولون عملية توظيفهم بلا مبالاة ولا حماس، دون تبصير الشاب المستجد بما له وما عليه من واجبات وحقوق وما على المؤسسة من واجبات وحقوق حياله، علماً بأن هذه الأمور موجودة في لوائح العمل التي أجازتها لهم وزارة العمل لنشرها أمام العموم في أماكن بارزة من مواقع العمل، لكنها بقيت عند كثير من المنشآت طي الحفظ في رفوف وحدات التوظيف.

أحسب أن الجهات الحكومية المعنية بتوظيف الشباب مثل مكاتب العمل لها دور لا تعفى منه في تبصير الشباب مسبقاً بمعلومات تفصيلية عن كل وظيفة يرسل إليها الشاب أو الشابة، وكذلك تنويره بواجباته حيالها وحقوقه النظامية التي كفلها له نظام العمل ونظام التأمينات الاجتماعية ولوائحهما، ففي تلك فائدة كبيرة تتعلق بقراره بقبوله الوظيفة وقياس قدرته في تحمل أعبائها وواجباتها مسبقا قبل الارتباط بها، ناهيك عن أن هذه الخطوة تساعد على استقرار الشباب في وظائفهم في الشركات والمؤسسات بدلا مما نراه من تدني نسبة الاستقرار الوظيفي في القطاع الخاص، وكثرة حركة الاستقالات والفصل التي تعم هذا القطاع، الذي ما فتئ يتذمر منها كثير من أصحاب العمل ممن تجاوب في عملية استقطاب الشباب السعودي. ولعلها مناسبة سانحة لأذكر بأن الحكومة سبق لها أن أصدرت دليلين مهنيين، أحدهما وصف وظيفي، صدر قبل ربع قرن تقريباً، يصنف مجمل الوظائف والمهن الدارجة في البلاد وفق التصنيف الدولي، والآخر توصيف مهني لهذه الوظائف والمهن صدر قبل خمسة عشر عاماً، يعطي طالب العمل شرحا تفصيليا عن مكنونات كل مهنة ومكوناتها.

والحقيقة أنني لا ألمس تفعيلا منتشرا أو ترويجا لهذين الدليلين المهمين بين أواسط وحدات التوظيف بحيث يمنح المرونة الآلية خدمات التوظيف ويدفعها للأمام. وأجزم أن هذا هو هدف الحكومة من وراء الحرص على إصدارهما وجعلهما متاحين للاستخدام الواسع لخدمة التوظيف، وأؤكد هذا لأنه كان لي شرف العمل مع زملائي في وزارة العمل وبعض المصالح الحكومية المعنية إبان عملي وقتذاك وكيلا لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية الاجتماعية لشؤون العمل في تجميع موادهما ودفع منشآت القطاع الخاص لاستخدامها. وأتمنى على شبابنا ضرورة الحرص على الإلمام بجوانب الوصف المهني لوظائفهم وتوصيفاتها، وواجباتهم حيالها، وحقوقهم النظامية والمهنية فيها قبل الارتباط بها. وأنصحهم أن يغيروا من أنماطهم في نظرتهم لمستقبلهم ووظائفهم التي منها يكسبون معاشهم بجدهم وجهدهم وأن يتعاملوا معها بجدية، وأن يحسن من يبحث عن وظيفة الاستدلال على مسالك الوظائف ودروبها ومواقعها. ولا يفوتني التأكيد على شبابنا وشاباتنا يحفظهم الله -وبنفس القوة- تهيئة أنفسهم مهنيا للوظيفة، واستيعاب أصول المهنة وذلك بالتسلح بالعلم والمعرفة الوظيفية والتدريب المسبق عليها ما أمكن ذلك، والاستفادة مما تتيحه لهم بلادهم من فرص التعليم والتدريب المنتشر في مختلف أصقاع البلاد، فالوظائف والمهن ارتقت متطلباتها في هذا العصر وتعقدت وتجاوزت الأساليب التقليدية في الأداء والالتزام، فيتأتى أن ترقى مهارات وقدرات طالبي العمل بالمقابل، لأني أحسب أن هذه الأمور ستنير للشاب والشابة طريقهما للوظيفة وسيساعدهما على الاستقرار فيها والتقدم في مناصبها، ومن جانب آخر سيساعد الجهات الحكومية المعنيّة في نجاح عمليات التوظيف التي تنشدها ومن ثم مكافحة البطالة. والله ولي التوفيق.

وكيل وزارة العمل سابقاً وعضو مجلس الشورى سابقاً


لإبداء رأي www.ahnyanya@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد