Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/03/2010 G Issue 13694
السبت 11 ربيع الثاني 1431   العدد  13694
 
الواجهة المنطفئة
د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

 

قبل سنوات تمتد ربع قرن زار معهد الإدارة الأمير مساعد بن عبد الرحمن - عليه رحمة الله - وكلّف صاحبكم بمرافقته في بعض أجزاء زيارته، وكان الأستاذ محمد بن عباس حينها مديراً للعلاقات والإعلام؛ فعرّفه به، وأغدق عليه من الصفات ما هو حسن ظن مبالغ، وقال له أبو معتصم - رعاه الله -: لقد أعيتني السبل معه ليدخل الوسط الإعلامي: المرئي والمكتوب فلم يستجب، فما يرى سموكم؟ ليتك تعينني عليه.

رغم أنه اللقاء الأول والأخير مع الأمير الإداري المثقف؛ فقد بدا واعياً، هادئاً، رفيقاً، قليل الكلام؛ فما زاد على أن أجاب: التأني طيب.

لم تبرح الجملة ذاكرته والمنافذ الإعلامية تشرع أمامه بعدما دلف إليها من بوابتي «الجزيرة» والإذاعة «، وأدرك مع كل صباح يمضيه فيهما أن الأضواء خدعة كبيرة يعشى بها من ينقاد لها؛ فترى بعضنا على كل منبر يقدمون ويتقدمون، ويحلّلون ويهلّلون، ويخطبون ويحطبون؛ فلا يعوقهم تخصص، ولا تلجمهم معرفة، ولا يأبهون: أقالوا جملة مفيدة أم غرهم القمر الرمادي فساروا في العتمة، وربما ضلوا وأضلوا!

وفي ورشة علمية مع الخبير الإعلامي الجهير (جون براند) في مدينة «شفيلد» البريطانية؛ قال - وهو المسؤول عن ظهور كبار السياسيين أمام شاشات التلفزة -: إننا نرسم لهم خطواتهم وإطلالاتهم وشكل ابتساماتهم وطرائق إجاباتهم وكيفية وقوفهم وجلوسهم ونوعية جدهم وهزلهم، وهو يعني أن القيمة الحقيقية أو التأثير الفاعل في المضمون وليس المايكروفون.

وفي زمن الغثاء الإعلامي المشبه غثاء السيل لم يعد مبهراً رؤية وجه تلفزيوني مثلما كان في أيامنا؛ فقد أصبح الجميع نجوماً إذا كان المقياس تكرار مرات المشاهدة، وما تزال ذواكرنا الصغيرة تستدعي يوم مر المطرب «سالم الحويل» في حينا «عفنان بحائل»، وحين قبل «ياسر الروقي» عزيمتنا في بيت « العزبة « بالرياض، وعندما حضر إلينا «علي آل علي» و»حسين نجار» و»محمد الرشيد» في ناديي النجمة والعربي والمركز الصيفي بعنيزة؛ حتى كنا نختزن حركاتهم وسكناتهم، ونستدعي ملامحهم، ونتباهى أمام أقراننا لأننا نعرفهم، ولا ينسى صاحبكم أنه كان يتعمد المرور بجانب الإذاعة والتلفزيون فربما صادف دخول مذيع أو خروجه مكتفياً بمرآه من بعد، لكن ذلك كله لم يقنعه بالاقتراب السريع من رموزه، بل وأسهم في اعتذاره المبكر عن عدم استمراره.

تبدل الزمن، وكثر المشتهرون، ولم تعد الإيماءة مغرية، بل معرية؛ فمعادل الندرة السابقة والوفرة اللاحقة أدخل النجومية في فضاء العرض والطلب، وإذ كثر العارضون قل الثمن وندر المشترون.

هذه هي لعبة الإعلام التي فطن إليها الأمير الراحل في نفسه قبل غيره؛ فرغم تمكنه الثقافي وموقعه الوظيفي والاجتماعي فلم نشهد كثيراً مما قاله أو كتبه، ولعل المقابلة - التي أجراها معه الدكتور عبدالرحمن الشبيلي ووثقها في كتاب - أبرز ما بقي لنا من أحاديثه.

خلاصات يغفل عنها جيل زملائنا الأحدث سناً المرتهنين لبريق الاسم والرسم؛ حتى لا يكاد أحدهم يكتب مقالين ويجري حوارين حتى يصبح وجهاً إعلامياً يستضاء به في المنتديات ويستضاف في المقابلات والمشكلة أنه يصدق ويجد من يصفق.

لن نجزم بالحق والأحق، ولكنها مفارقات قد تستحق بعض التأمل؛ ففي بعض الدروس عظات.

الطريق الطويلة أقل ازدحاماً.



Ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد