Al Jazirah NewsPaper Sunday  28/03/2010 G Issue 13695
الأحد 12 ربيع الثاني 1431   العدد  13695
 
إلى روسيا مع الإعلام الاجتماعي
استير دايسون

 

في الآونة الأخيرة كنت أُمثِّل الولايات المتحدة ضمن وفدٍ رسمي مكلف من قِبَل وزارة الخارجية الأميركية - البيت الأبيض بزيارة روسيا.. وكانت مهمتنا تتلخص في تعزيز أواصر التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا، تنفيذاً لسياسات «الحكم في القرن الحادي والعشرين» ودبلوماسية المواطن.. وقد يعكس هذا قدراً من سمو المبادئ، إذا ما علمنا أن اهتمام مضيفينا الروس كان منصباً في الأساس على إنشاء «وادي سليكون» في بلادهم.

لقد تصور الروس أن التقدم على الطريق إلى الأمام قد يتحقق بمنح شركات التكنولوجيا بعض المال ووضعها بالقرب من إحدى الجامعات العظيمة.. أو باختصار بناء وادي سليكون جديد.. ومن جانبه، افترض الوفد الأميركي أن المرء بوسعه أن ينسج ببساطة شبكة اجتماعية.. وأن يخلق مجتمعاً مدنياً.. أما عن نفسي، فقد ذهبت إلى هناك حاملة مفاهيمي المتشائمة المعتادة، والتي تكونت لديّ بسبب أسفاري المتكررة إلى روسيا كل بضعة أشهر طيلة الأعوام العشرين الماضية.. كنا عبارة عن فريق مختلط مؤلف من تسعة أشخاص من المتخصصين في الأمور التقنية.

إن الدروس التي تعلمناها في هذه الرحلة تهم كل من يرغب في إنشاء وادي سليكون، أو حتى أي مؤسسة على غرار «وادي السليكون» - مؤسسة قادرة على الإبداع وتنفيذ إبداعاتها، وتحقيق الأرباح، وإسعاد العاملين لديها ورجال الأعمال المتعاملين معها، والإسهام في دعم اقتصاد حديث نابض بالحياة.

والواقع أنني بدأت مناقشاتي مع قادة الحكومة الروسية بالحديث عن خبرتي كرئيسة للجنة الإبداع والتكنولوجيا الاستشارية في وكالة ناسا (الهيئة الوطنية للملاحة الفضائية والفضاء).. فقلت لهم إن المسألة لا تدور في واقع الأمر حول تمويل الإبداع التكنولوجي.. بل إن الأمر برمته يتلخص في خلق الثقافة التي تُكافئ الإبداع المدروس وتعتبر الأخطاء ثمناً للتعلُّم.

ومن بين المتطلبات الأخرى وجود مستهلك جيد - مستهلك لا يبخل بالمال في سبيل الحصول على المنتجات الجيدة والخدمات الممتازة، وراغب في تجربة أشياء جديدة واعدة، وغير قابل للإغواء بالرشوة.

الواقع أن كل هذا أصعب كثيراً من بناء الجامعات ببساطة وتمويل بعض المشاريع الناشئة.. إذ يتعيَّن علينا أن نغيّر الثقافة السائدة من القاعدة إلى القمة - ثم نسمح للعمل التجاري بالنمو، من دون التدخل بقدر أعظم مما ينبغي، ولكن مع الحرص على توفير الحماية ضد الاحتكارات، والعملاء الفاسدين، والبيروقراطيين.

ولقد ركزت اهتمامي على مشروع واحد، وهو عبارة عن نسخة روسية محتملة من الخدمة التي تم تقديمها مؤخراً في الولايات المتحدة تحت مسمى Text4Baby، والتي تدعو النساء الحوامل إلى الاشتراك من خلال رسالة نصية قصيرة في خدمة يتلقين بموجبها رسائل دورية وأسئلة (حول وزن الحامل، وما إذا كان الجنين يتحرك بقوة، وما إذا كانت المرأة الحامل تتناول المشروبات الكحولية) على هواتفهن المحمولة.. ويعمل النظام على مراقبة الإجابات وتوجيه المرأة الحامل إلى العيادة إذا كانت الإجابات خارج النطاق الطبيعي.. واعتماداً على البنية الأساسية الطبية المحيطة، فإن هذه الخدمة من الممكن أن تعمل أيضاً على توجيه المرأة الحامل إلى إحدى العيادات للحصول على الفحوص الروتينية قبل الولادة.

في روسيا، نستطيع أن نعتبر إيلينا دميتريفا الشخص المناسب المطلوب لتولي هذه المهمة.. وهي رئيسة مؤسسة صحة روسيا، التي بدأت الآن في التفاوض مع الرعاة المحليين والحكومة الروسية، التي يتعيّن عليها أن تورد أو على الأقل توافق على البروتوكولات الطبية التي سينفذها النظام، والتي ستقترح أيضاً العيادات التي يتعيَّن على النساء أن يتوجهن إليها، استناداً إلى قربها جغرافيا.

وقد يكون في هذا جهد عظيم، وهذا صحيح.. ولكن كما دأب جون دوناهو من شركة eBay على تذكيرنا: «فإن المشاريع لا تتم ما لم يتوفر الشخص المسؤول، والخطة، والموعد النهائي للتنفيذ».. وفي اعتقادي أن هذه الجملة ربما تحتوي على حكمة عظيمة لم نعد نلتفت إليها.

وبعيداً عن ذلك، قمنا بتعزيز الصلات التي أحاطت بنا من كل جانب.. وكانت إدارة أغلب اجتماعاتنا تتم بطريقة تقليدية: «اجتمعوا بالأكاديميين، ثم اجتمعوا بشركات المقاولة، ورجال الأعمال (كلهم كانوا من الرجال)، وطلبة المدارس الثانوية».. ولكن بعض الاجتماعات سمحت بالاختلاط بين المجموعات المختلفة، وفي العديد من المناسبات كنا نقول لأنفسنا: «هذا المقاول لا بد وأن يلتقي بالجمعيات الأهلية».. ولقد قمنا بالفعل بالربط بينهم من خلال البريد الإلكتروني.

لا شك أن الحكومة الروسية (مثلها في ذلك كمثل الحكومة السوفييتية من قبلها) تنظر إلى المجتمع المدني باعتباره تهديداً.. والواقع أن بعض المنظمات غير الحكومية تشكل تهديداً حقاً.. ولكن رسالتنا غير المعلنة كانت تدور حول ضرورة السماح للمجتمع المدني بالازدهار إذا كانت السلطات راغبة في إنشاء وادي سليكون في روسيا - أو حتى مجرد دولة متماسكة.

إن المجتمع المدني لا يخدم السياسة فحسب: بل هو بمثابة مطعم يعطي الطعام غير المستخدم للفقراء.. إن المجتمع المدني عبارة عن شركة لا تسعى إلى تحقيق الربح، مثل تويتر، وتقدم خدماتها بالمجان للفقراء والأغنياء على السواء (ولو أن الشركات المعلنة سوف تركز على الأغنياء بطبيعة الحال).. والمجتمع المدني يتألف من أصحاب مشاريع ناجحين يراقبون أصحاب مشاريع بادئين، والمنظمات غير الحكومية لا تتعامل مع الحكومات فحسب، بل وأيضاً مع المجموعات التجارية سعياً إلى الحصول على الدعم اللازم للأنشطة التي تعالج مشاكل اجتماعية عويصة، مثل ارتفاع معدلات الوفيات بين الأمهات اللاتي وضعن حملهن حديثاً والأطفال الرُضَّع.

(خاص الجزيرة)



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد