Al Jazirah NewsPaper Sunday  28/03/2010 G Issue 13695
الأحد 12 ربيع الثاني 1431   العدد  13695
 
بمناسبة مؤتمر شهداء الواجب وواجب المجتمع الذي تنظّمه غداً جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برعاية خادم الحرمين الشريفين
لن ينسى التاريخ للملك عبدالله تلك الدمعة الحانية على أسر الشهداء وأوامره العاجلة بتقديم الدعم والرعاية لهم

 

كتب - عبدالوهاب القحطاني*

كل عمل عظيم يحتاج إلى تضحيات عظيمة، وليس هناك أعظم من التضحية بالنفس، وقليل هم مَنْ يحملون من المبادئ والقيم وحب الوطن والعطاء والوفاء ما يدفعهم للتضحية بالغالي والنفيس مقدمين دماءهم وأرواحهم لنصرته، ولسان حالهم: وإني لأبذلُ أنفاسي بلا ثمن حتى أراك كما أهواك يا وطني.. مؤمنين بأن البطولة تقضي أن يَمُدُّوا جُسُومهم جسراً وقت التحدي والوغى ليعبر رفاقهم إلى درب الأمن وشط الأمان ولواؤهم «لا تبكيهِ فاليومَ بدءُ حياته.. إن الشهيد يعيشُ يومَ مماته».

ووطننا - وأي وطن هو!! - ليس كبقية الأوطان، فهو الذي جعل الله عزَّ وجلَّ خوافق أهل القبلة من كل فج عميق تهفو إليه، وترنو شطر البيت الحرام النواظر والأبصار، فهو القدوة في الفكر والعمل والسلوك، وليس من قدوة تمثّل الإنسان والوطن فكراً، وتثمر عملاً، وتسمو به سلوكاً أكثر من التضحية والوفاء، وهما خصلتان عُرف بهما شعب المملكة العربية السعودية وقادته النجباء، لهذا ليس مستغرباً أن تدعو إحدى مؤسسات الوطن التعليمية، وهي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى مؤتمر لشهداء الواجب في الفترة 13-14 ربيع الآخر، وأن يرعى هذا المؤتمر ملك الواجب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - أعزه الله - وفاءً لمن كانت جباههم وصدورهم حواجز الصدّ أمام كل معتد آثم وضع هذه البلاد وأهلها في بؤر حقده وغلوه، وفي دوائر تسلله واعتداءاته، وللتأكيد على أن ما قدمه شهداء الواجب من رجالات القوات المسلحة ووزارة الداخلية بمختلف قطاعاتها إنما هي تضحيات في سبيل الله، ذوداً عن العقيدة ودفاعاً عن المقدسات.

المؤتمر الذي ستشارك فيه وزارات وجامعات وهيئات علمية وكوكبة باحثين من الجنسين بأفكارهم وأوراقهم العلمية إنما يستهدف تحديد واجبات المجتمع تجاه الشهداء، ويروم وضع اللبنات القوية والدعامات الأساسية على طريق التكافل المجتمعي، بما يربو بمعدلات الإحساس بالواجب الوطني تجاه الشهداء وأسرهم، ويغرس في نفوس الجميع بدءاً من فلذات الأكباد أسمى معاني التكريم والعرفان لأولئك الأبطال.

لقد سجّل التاريخ في ديوانه تلك اللقطة الخالدة للملك المحبوب حين فاضت من مقلتيه - رعاه الله - تلك الدمعة الحانية أمام الملايين في مشهد إنساني حقيقي وغير مفتعل وهو يقبّل طفلة شهيد من شهداء الواجب، كما دَوَّن أوامره وقراراته العاجلة برفع الرتب الوظيفية للشهداء وتقديم كافة أنواع العون والتعويضات لأسرهم وحفظ قوله لمواطنيه: (إن الدماء الزكية التي سفكها البغاة المارقون أوسمة على صدوركم وعلى صدور الوطن، والشهداء الذين سقطوا في معركة الواجب هم فرسان هذا الوطن وأبطاله وصفوة رجاله.. وإن أبناء هؤلاء الشهداء هم أبنائي شخصياً وأبناء كل مواطن، ولن نقصرَ في حقهم إن شاء الله ما دام فينا عرق ينبض).

وهي كلمات راقية الأهداف، سامية العاطفة، رقراقة بالنبل والوفاء تضع على كاهلنا جميعاً واجب ترجمتها إلى حقائق ملموسة، فلقد أضاء - حفظه الله - لنا الدرب، وبدأ الخطوة وأعطى القدوة، ولا علينا إلا أن نسير وراءه نحو الهدف، وندعم العمل المؤسساتي المنظّم الذي يكفل وصول العون اللائق المشرف لأسر الشهداء دون ضجة أو منٍّ أو مبالغة حرصاً على مشاعر الباذلين بما لا يقدّر بأموال الدنيا وحطامها، إذ لا يوجد بذل أعظم من أن يجود الإنسان بنفسه وروحه وبأعز من يحب من أهله وذويه.

وإذا ذُكرت مواقف البذل والعطاء لقادة هذه البلاد الطيبة الثرى فلا يمكن أن يغيب عن المشهد أبداً صاحب الأيادي التي تتدفق بالخير والجود صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، فلطالما كافأ وآزر وعوّض أسر الشهداء وواساهم، فالسخاء سلطان والخير سلطان.

كما لا يمكن أن تغيب مواقف سمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز الذي يحمل بين جوانحه روحاً تفيض بالرحمة والعطف فنراه يتألم أشد الألم لكل قطرة دم نزفها أي فرد من أبنائه وإخوانه رجال الأمن العام، ولطالما ثمّن للشهداء منهم مواقفهم البطولية واحتوى أسرهم بالدعم المادي والمتابعة والعون، وما لجنة رعاية أسر الشهداء في وزارة الداخلية لدراسة ومتابعة أسر الشهداء وتقديم كافة التسهيلات لهم والعناية بهم إلا واحدة من مآثره وتأكيد على أنهم في وجدان سموه ومحل اهتمامه الدائم.

أما صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز مساعد وزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية فقد كانت له أيضاً مواقفه الإنسانية الجليلة كزميل يواسي ويدعم أسر إخوانه الذين سقطوا واستشهدوا من رجال قواتنا المسلحة الباسلة وقاضياً لحاجاتهم.

وكذلك صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، السبّاق إلى أعمال الخير لأسر الشهداء، فرغم كل المخاطر والصعاب التي قد تحدق بسموه إلا أنه عادة ما يكون أول الوافدين لسرادقات العزاء مواسياً ومشاركاً لذوي الشهداء وأسرهم ومحتضناً لأبنائهم مذللاً لمشكلاتهم وملبياً لحاجاتهم.

وهي كلها أفعال تُذكر فتُشكر وخير شكر لها قيام هيئة أو مؤسسة كبرى تشرف عليها الدولة ويكون لها من الوسائل والقنوات المالية والمعنوية والتنظيمية ما يكفل صفة الديمومة والاستمرار تؤدي دورها تجاه الشهداء الأوفياء من أبناء الشعب، على ألا يقتصر عمل هذه المؤسسة على تقديم العون المادي فحسب، بل يشمل ما هو مكمل لذلك، وهي الرعاية الاجتماعية والتعليمية لأبنائهم وأسرهم، وتأهيلهم ليكونوا مواطنين بررة مخلصين ومسلحين بأقوى أسلحة البناء الحضاري لهذا الشعب ألا وهو العلم.

وهذا هو ما اصطلح على تسميته ب»الرعاية الشاملة» ونحن - ولله الفضل والمنّة - دولة لها من الإرث الحضاري والتاريخ الإنساني والحاضر الزاهر ما يجعلها قادرة على أداء هذه الرسالة حكومةً وشعباً على أكمل وجه نحو هذه الشريحة المهمة من المجتمع وفاء وتقديراً لما قدمت من أجل هذا الوطن الغالي.

فلنكن يداً واحدة، الدولة والقطاع الخاص والأفراد، ولنقف جميعاً إلى جانب ذوي الشهداء من الأيتام والأرامل نواسيهم ونحنو عليهم كأولادنا وزوجاتنا.. فالعمل المنظم الموحد هو أساس نجاح أي مشروع.

إن حق شهداء الواجب علينا.. حق كبير، وليكن أقل ما يمكن أن يقوم به كل واحد منا تجاههم هي الدعاء الصادق لله عزّ وجلّ لهم بالرحمة والمغفرة وأن يتقبلهم عنده بقبول حسن ويرفع منزلتهم ويدخلهم جنات النعيم.

يقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

** خاتمة:

شهداء الواجب.. في الوجدان أحياءٌ أنتم.

* نائب رئيس التحرير وعضو اللجنة الإعلامية الإشرافية للمؤتمر



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد