Al Jazirah NewsPaper Wednesday  31/03/2010 G Issue 13698
الاربعاء 15 ربيع الثاني 1431   العدد  13698
 
إلى البيت والمدرسة قبل أن تضيع الفرصة
د. عبدالرحمن بن سليمان الدايل

 

لم يكن دور كل من البيت والمدرسة ليتزايد أو يتعاظم أكثر مما نحن فيه هذه الأيام، فقد تكالبت المؤثرات من كل جانب على الأبناء، وصارت وسائل التواصل مُشْرعة الأبواب، المشروع منها وغير المشروع، وانفتحت أبواب الفضاء لتمتلئ بما هو أدنى وبما هو خير، وانكسرت الحواجز والمسافات بين الشعوب وامتلأت الساحة من حولنا بالمعارف المتنوعة في مختلف الحقول، وصارت الأجواء حول الأبناء مزدحمة بالمغريات والملهيات التي تُعبدهم عن جادة الصواب، فرأينا منهم من يقع فريسة سهلة للجريمة، ومنهم من يقع في براثن المخدرات التي تقوده بالتالي نحو عالم الجرائم المتنوعة، وقليلاً ممن رحم ربي هم المستفيدون من ثمرات التطور التكنولوجي من حولهم وهم الذين يستطيعون مواجهة تلك المتغيرات لاستغلالها فيما يفيدهم علماً وثقافة ومعرفة وليس مضيعة للوقت أو إهداراً للعمر.

فأين البيت وأين المدرسة الآن؟ وهل تمكنوا من أن يضعوا أيديهم معاً وجهودهم معاً من أجل صالح الأبناء ومن أجل مستقبلهم؟

لقد طال الوقت ونحن ننتظر الإجابة، فقد انشغلت الأسرة بتوفير الموارد المالية والمادية للأبناء ونسي بعضها أو تناسى وظيفته الأساسية في توفير المناخ التربوي والتوجيهي المناسب لينشأ الأبناء في بيئة أسرية سليمة قادرة على إعداد أفرادها للحياة السعيدة التي تبتعد بهم عن طريق الجريمة وتسعى بهم نحو دروب الخير والفلاح.

لقد تركت بعض الأسر أبناءها للأصدقاء وصار تأثير الصديق أشد في التوجيه من تأثير الأسرة، ورأت تلك الأسر كم كانت المأساة وكيف صارت النتيجة، وبعضها وضع نفسه في دائرة الندم وقت لا ينفع فيه ندم من قبل المقصرين في أداء واجباتهم.

ولم تتمكن المدرسة من إقامة علاقات قوية وطيدة مع الأسرة حيث انشغلت المدارس بالكم دون الكيف، وأخذت على عاتقها إنجاز المقررات الكثيفة بمعلوماتها ومعارفها فلم يعد لديها وقت لتستمع إلى نداءات التطوير والتحديث، وإن اتجهت للتجديد كان توجهها نحو المظهر وليس المخبر، ونحو القشور دون الجذور، ولم تستطع المدرسة أن تمد يدها للتعاون مع الأسرة بما يعود بالنفع والخير على تربية الأبناء.

فانحصرت مسؤولية مدارسنا بانتهاء المعلم من تعليم كتابه المدرسي للطلاب، وأصبحت العلاقة بين البيت والمدرسة قاصرة على تقرير بالدرجات وكأن ذلك هو الهم الأكبر والطموح الأعظم: درجات مرتفعة وكفى، أما السلوك الطلابي والتعاون الأسري، وانفتاح المدرسة على البيت والمجتمع والاستماع إليه فهو أمر لا يرقى إلى دائرة الاهتمام.

فماذا كانت النتيجة؟ أعرف أننا جميعاً نعرفها بل ونشاهدها وخلاصتها باختصار أن مدارسنا على أفضل تقدير أصبحت تُخرج طلاباً لديهم من المعلومات أكثر مما لديهم من المهارات والسلوك في مختلف المجالات التي نحن في حاجة إليها وهم أيضاً صاروا يلحون في طلبها إذا رغبوا البحث عن عمل أو أرادوا الانضمام إلى معترك الحياة، فتقطعت السبل بين الأسرة وبين إيجاد وظيفة لأبنائها، وكانت النتيجة ما نشهده من طالبي العمل دون تلبية لطلباتهم، والأدهى والأمر ما نعرفه عن انحراف للبعض عن جادة الصواب.

إن التعاون بين البيت والمدرسة ليس شعاراً يتردد بين الحين والآخر في وسائل الإعلام، وليس كتباً تؤلف أو مقولات تدبلج بل هو حقل شامل يحتاج للتطوير، ويحتاج للكثير من الجهود المؤمنة والواثقة بأن هذا التعاون ضروري ولا غنى عنه إذا أردنا لمحاولات التطوير النجاح، وإذا رغبنا في حياة تعليمية نافعة وناجحة، وإذا كنا نسعى بحق نحو توفير بيئة تربوية صالحة لإسعاد الناشئة.

إننا نؤمن - عن يقين - أن ديننا الحنيف يحمل البيئة قسطاً أساسياً ورئيسياً في عملية التوجيه للخير أو للشر، كما يحمل البيئة مسؤولياتها في إعداد الأبناء للحياة السعيدة فهل وضعنا ذلك موضع الاعتبار في تنشئة أبنائنا؟ أم أن مؤسسات التنشئة والتوجيه من أسرة ومدرسة وغيرها لازالت تعمل في وديان متفرقة، كل يعمل في نطاقه دون أن يمد يده بالتعاون مع غيره حتى ولو كانت الضحية فلذات الأكباد.

فإلى القائمين على شؤون التربية والتعليم لا تنسوا دور الأسرة وضعوا أيديكم في أيديهم، وتعاونوا من أجل الأبناء ومن أجل هذا الوطن حتى لا تتدخل لديهم قوى أكثر إغراء وأشد إيذاء وساعتها لا يفيد الندم أو إلقاء اللوم على طرف أو آخر.

وبالله التوفيق




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد