Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/04/2010 G Issue 13706
الخميس 23 ربيع الثاني 1431   العدد  13706
 
(أنا) كما يراه (أنا)
إبراهيم آل زايد

 

كنت قد يئست من الكتابة ولم أعلم أنّ رئيس التحرير ينشر مقالاتي سوى بالصدفة، وقد تصبح الصدفة أجمل من موعد، وهذا ما حدث هنا ولهذا ثارت كل مناطق التفكير فيني وشعرت بالحروف في خاطري تستنفر بعضها، وكيف لا تفعل وقد حظيت برئيس تحرير يقدّر الحروف مهما كان عمر كاتبها ويحترم الكلمة مهما كان ألمها، ويفتح للأرواح الحالمة نوافذ أملها.

وهنا لن أصنّف نفسي وصولياً بل كاتب حقيقة، ومع ذلك لن أكمل فقد كتبت الحقيقة كما هي، وثقوا أني أحاول الكتابة بدون مؤثرات فكرية أو عقائد وأيدلوجيا معقّدة، بل سأكتب وأكتب كما تتداعى روح أبسطكم في موقف يعني الوطن ويهم أبناءه، وسأتجاوز عقدي السابقة لفضاءات حرية أوسع تتحكّم بها المسؤولية، وسأكتب همّ الفقير ليصبح قضية، وهمس الغفير ليصبح صوت له صدى، وسأرسم الشوارع الخلفية كما هي وسأشعل شموع الإضاءة في كل ظل، وأفضح في ظلام اليأس كل ظلم. سأكتب قضايا الوطن لتصبح القضية «قضية وطن» لا قضية شخصية ولا نزعة تيارية ولا تصفيات شخصية ولا حروفاً وصولية ولا تعصّبات أصولية أو حرية مستوردة فاضحة، ولعلّ بعضي يشرح بعضي حين أكتب عن قضاياي التي أراها قضاياكم وأحلامي التي أراها أحلامكم وآمالي التي أراها آمالكم وصراخي الذي يفضح همسكم!

لست والله منذ عرفت نفسي نرجسياً ولا مقدساً لذاتي بل أشعر بمأساة كل نرجسي وعابد ذات، لكن حروفي هذه هي محاولة لتفهموني وأفهمكم ومصالحة مسبقة مع كل مختلف أو مختلفة، وخارطة طريق تكاد تكون عقد شراكة بيني وبينكم لحروف مسئولة تنظر للقضية من زواياها لا من زاويتي فحسب.

منذ بدأت الكتابة وكل قضية تصبح قضيتي، وكل هم يصبح همي لأني آمنت منذ أول حرف على ورقتي بأنّ الأوراق والحروف ليست ملكي بل ملك الآلاف من القراء، ولم تكن القصائد قصائدي بل بوح الأيام وتقاطعاتي معكم، ولهذا كانت المسئولية غير المسئولية والهدف غير الهدف والأمل هو ذات الأمل، مهما اختلفت زوايا النظر له أو تعاكست إشعاعات الإضاءة بيني وبينكم.

ولأنّ كل من دخل مدى الكتابة في زمن التيارات هو صدى تيار، فقد آثرت أن أكون بلا تيار تماماً كما أنا، لأني آمنت أن من يملك بيتاً يحميه يصبح بلا قضية ويقدم له قرابين الطاعة، فوددت أن أكون مشرداً من بيوت التيارات لأكتب أحلام المشردين وعواصف التائهين وأروي لكم الواقع من خارج بيوت التيار، وأنتهك حرمة ظل الشوارع الخلفية وأفضح أوضاعها المأساوية، لأني وُلدت ذات يوم من رحم الألم وذقت مرارة الظلم وعانيت برد الشوارع وبكيت في ظل الشوارع، ليس لأني طريد أو شريد «لا» بل لأني كنت بالفطرة ومنذ شاهدت شعاع الفجر الأول في عمري أعاني الاختلاف، ليس لمجرّد الاختلاف فلم يكن الاختلاف لي غاية بل لأني وُلدت وأنا مختلف، ونشأت وأنا أختلف وكتبت وأنا أختلف، وكرهت الأنا المتضخمة منذ ذلك الحين لأني أعشق الحزن الذي تتشاركه الأرواح لتتقاسم الجراح.

لست برجوازي الطبقة، بل كادح، ولست «مستورداً» للفكر بل قادح، وقد تعاطفت مع الأسئلة والتساؤلات في زمن الإيمان المطلق، والشعارات النظرية.

نعم كتبت الشعر، لكني لم أشوه ذاتي لأكتب الفرح وأنا ذلك الذي في كل زاوية منه يسكن هم وينام ألم، ولهذا تعلّمت الكتابة وعشقت الكتابة، فقط لأنها كانت تكتبني وتفضحني وتشكي ذاتي لذاتي لتعود فتبكي ذكرياتي.

و لهذا كتبت «أنا» ما يراه «أنا» .. بوح ذات وذات بوح، رسمت الواقع لوحة وغنيت الألم فرحة وعشت الحقائق لحظة .. لحظة لم تغيرني برجوازية ممقوتة أو وصولية تبيع بالراحة أحزانها على آخر أرصفة شوارع الحزن لتشتري بالحروف الظروف وتكتب بأحلام المتعبين أغاني العشق وترسم شوارع الحزن في لوحة تسكن معرضاً زجاجياً.

قضيتي أنتم وقضيتكم أنا فلنكن شراكة .. نعم شراكة.. شاركوني همومكم لنكتب الحقيقة ولنسافر من ضجيج التيارات نحو «الوطن الواحد».. نعم الوطن الواحد.. المملكة العربية السعودية، ولتكن أحلامنا هي الوطن لنصبح أحلام الوطن.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد