Al Jazirah NewsPaper Saturday  10/04/2010 G Issue 13708
السبت 25 ربيع الثاني 1431   العدد  13708
 
رحلة العقل المنطلق
د. ابراهيم بن عبد الرحمن التركي

 

لم يكن غيره يتيح لنا أن نقتطع من وقت الدرس دقيقة واحدة، لكن شيخنا المربي عبد العزيز العلي المساعد (1347-1411هـ) كان يمنحنا بضع دقائق في مستهل حصصه كي نستفتيه في أمورنا الدينية والمجتمعية، وكان بعضنا يجرؤ معه على طرح أسئلة صعبة تتصل بالخلق والوجود والحياة الخاصة، وما عُهد إلا هادئا، حكيما، غير ضجر بالمجادلة؛ عليه رحمة الله.

- كنا صغارا، وكان فينا من يتهاون في الصلاة، ومن يشك بالمسلمات، ومن تتناقض في داخله معاني الجبر والاختيار والأسماء والصفات، ومن تطرح مخيلته قضايا لا يستطيع العقل تفكيكها، ووجدنا فيه من يأذن بالحوار بدءا، ويرد على الإشكالات، ومثلت رحلة (مصطفى محمود) - رحمه الله - مدارا مفتوحا لقبول فكرة الرفض والتأمل والتحول، ولم تسدْ حينها لغةُ الاستعداء إلا قليلا، وكان الأصدقاء خليطا من اتجاهات دينية وسياسية متضادة فيختلفون وتبقى قلوبهم مؤتلفة.

- تبدل الحال، وصرنا مستنسخين في العلن، لا لأننا متشابهون؛ بل لأننا نعيش مرحلة التصنيف والتصنيم، والمدنس والمقدس، ودخل العامة في المعضلات الفكرية والنقاشات الثقافية، وفتحت ملفات مغلقة، وابتسرت نصوص مطلقة، وأصبحت النجومية مرمى أفئدة بعض المتاجرين والمستعجلين، ورميت التهم فلم ينجُ منها إلا قلة، وضخمت الهالات حول آخرين فباتوا لا يسألون ولا يساءلون، وكانت ثلاثين عاما ضائعة مدارها الشحناء والبغضاء.

- لم نتجاوز المرحلة بعد ؛ فالزمن للرأي، « والمُسمًون بالكُتًاب كثير «، وبات تحزيب العامة عنوان إثارة في فضاء مفتوح، وتمنينا من (مركز الحوار الوطني) - الذي يشكر صاحبكم دعوته التي اعتذر عن عدم تلبيتها - التصدي لهذه الإشكالات؛ فقضايا «الصحة» محل إجماع على الخلل والقصور، و آن للمركز أن يراجع أداءه كي يحقق أهدافه، ويوجد له منابر مرئية ومقروءة وسايبرونية ومسموعة للسجال العلني الممتد بمساحة الوطن.

- ليس معضلا أن يخطئ (الشيخ والليبرالي) أو يصيبا، لكن المعضلة في التأليب والشخصنة، وصرف رأي فردي ليصبح قضية عامة حتى تحول الجميع إلى مفتين ومفتتنين.

- في كل الأزمنة والأمكنة عثرات وعاثرون، والمؤملون بمجتمع مثالي حالمون بل واهمون، وسَوْقُ الدهماء لتبني ثقافة الكراهية مغامرة خطرة، والوقوف في صفوف المتفرجين يزيد الحالة سوءا، والمُؤٍَمٍنون على أدعية الويل من جانب، والمصدقون بدعاوى التخلف من جانب ليسوا أكثر من مزجي أوقاتهم بلا جدوى، وقد أورد (الإمام ابن القيم) في (مدارج السالكين:1-385) عن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه- أنه سمع رجلا يقول : اللهم أهلك المنافقين ؛ فقال له : ياابن أخي : لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلة السالكين.

- رحم الله أبا مساعد ؛ فلو كان فظا لأصبح المتساهل متعمدا، والظان واثقا، والمتردد ثابتا، وكم نحن بحاجة لمن يدعون بالحكمة ويجادلون بالحسنى ويخشون الله فيما يقترفونه من فجور في الخصومة ونيل من الأنقياء، ولابن القيم - رحمه الله - نعود؛ حيث أورد في ( إغاثة اللهفان: 1-182 ) أن « خير الناس النمط الأوسط بين الغالين والجافين الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين ولم يلحقوا بغلو المعتدين «.

التأثير سلوك.



Ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد