Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/04/2010 G Issue 13715
السبت 03 جمادى الأول 1431   العدد  13715
 
ضبط الفصل هو المشكلة وليس الحل
خالد سيف الدين عاشور

 

عندما تصل الأمورُ في فصلي إلى درجة لا تُحتمل، كانت تمرّ بي أيام أكون مقتنعاً فيها بأنّ الأطفالَ أمضوا ليلتهم يتآمرون على جعل حياتي تعيسة. ولم يتبيّن لي إلاّ مُتأخرا أنّ سبب ما يفعلونه من اضطراب هو أنهم يريدون أن يمضي وقتُ الحصة بشكل أسرع.

ولم أعترف إلاّ متأخراً بأني لا ألومهم. فالمشكلة ليست في الطلاب بل في منهجي واعتمادي على الكتب المدرسية والعمل الورقي وحِمية المهارات والحقائق المعزولة عن السياق والمعنى. هل فعلاً توقعت أن يكون طلابي متشوّقين لتعلُّم شيء عن «صديقي الحال»؟ (يقصد ما يقوم به البعض من المعلمين مثلاً عندما يشرحون الحال والصفة والنعت والفاعل إلخ) إن إعطاءهم واجبات كهذه سيثير دهشتي إذا لم يشاغبوا.

طبعاً معظم مقالات ضبط الطلاب ستستبعد أفكاراً كهذه وبدلاً من ذلك ستذكرني أنه من حقي أن أطلب من طلابي أن يتصرفوا بطريقة ملائمة. وهذا يعني فعل ما أريده منهم. وسيقدمون مجموعة حيل لجعل الطلاب يمتثلون لما أريد منهم. وفي الحقيقة فإنّ برامج إدارة الصفوف تقدم تقنيات للتحكم في سلوكيات الطلاب.

وهذا مُريح للمعلمين لأنه يحمل الطالبَ المسؤولية عن المشاغبة.

- عند وجود مشكلة ما، لربما من الأفضل ألاّ نركّز على الطفل الذي لا يؤدي ما يُطلب منه، بل نركّز أيضاً على ما يُطلب منه أداؤه (وهل هو معقول؟)

- السؤال الذي ينبغي أن أسأله إذا وجدت طالباً لا يؤدي المهمات المطلوبة ليس «كيف أعيده إلى المسار»، بل «ما المهمة التي قُدمت له؟»

- ألا يمكن أن يكون سبب إساءة طالب التصرف في الفصل هو الجو الذي ساعدنا نحن في إيجاده؟؟

إنّ العمل مع الطلاب لبناء وسط يهتم ويؤمّن الأمان للجميع يحتاج للصبر والوقت والمهارة. فلا عجب إذن أنّ برامج الضبط تقوم على السهل: عقوبات (عواقب) ومكافآت.

هل تؤدي دورها؟ نعم ولا

لا شك أنّ التهديد والرشوة يشتريان تغيراً قصيرَ المدى في السلوك، ولكنها لا تُساعد الطفل على تطوير، التزاماً بالقيم الإيجابية. ففي الفصول الدراسية القائمة على العواقب، يطرح الطلابُ سؤال: «ما الذي تريدني أن افعله، وماذا يحدث لي إذا لم أفعل؟» وفي الفصل القائم على المكافأة «ماذا تريدني أن أفعل، وما الذي أحصل عليه لو فعلت ذلك؟»

السؤالان متشابهان، فالعقوبات والمكافآت وجهان لعملة واحدة. ولاحظ اختلاف كل واحد منهما عما نريد أن يسأله الطالب «أي شخص أريد أن أكون؟» أو «أي نوع من الفصول الدراسية نريد؟»

لمساعدة الأطفال على الانخراط في هذا التفكير، لا بد أن نعمل مع الأطفال بدلاً من عمل الأشياء لهم. لا بد من أن نشركهم في القرارات المتعلقة بتعلمهم وحياتهم داخل الفصل. والأطفال يتعلمون اتخاذ قرارات بإتاحة فرص لهم للاختيار.

افترض أنّ الطلاب يأخذون وقتاً طويلاً للجلوس بعد عودتهم من الغداء. ما الخيارات؟

- يمكنك التهديد بسحب الامتيازات أو إهانة أبطأ الطلاب.

- يمكنك أن تريهم نوعاً من الحلوى كإغراء لهم إذا تحسن الأمر غداً.

- يمكنك أن تجعل من أحدهم نموذجاً وتثني عليه للتحكم في سلوك الآخرين.

كل هذه احتمالات واستراتيجيات «عمل الأشياء لهم» تعمل لإخضاعهم وليس لمساعدتهم في التفكير في المشكلة أو التأمل في «لِم هي مشكلة أصلا؟» وبالتالي فإنّ الحاجة للضبط والتحكم لا تنتهي أبداً.

ولكن ماذا لو جعلت الطلابَ ينخرطون في التفكير لأنفسهم؟ كم من الوقت نُمضي للجلوس؟ لماذا؟ ما الذي يمكن فعله؟ إنّ هذا الأسلوب يختزلُ الوقت على المدى البعيد، ويقلل من عدد المشكلات، ويجعل الطلابَ يفكرون في مشاكلهم بأنفسهم.

كلما زرت فصلاً تحاول فيه المعلمةُ خلق جو ديمقراطي أكثر من الحفاظ على موقعها وسلطتها، يزداد اقتناعي أنّ الانتقال من العواقب والمكافآت ليس فقط واقعياً، بل أنسب طريقة لمساعدة الأطفال على أن يكونوا متعلمين أفضل وأناساً أفضل.

ترجمة لمقال
جدة 21524 -ص. ب 54832





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد