Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/04/2010 G Issue 13715
السبت 03 جمادى الأول 1431   العدد  13715
 
التدخين والكوارث الصحية المدمرة
محمد فراج الشهري

 

لقد أثبت العلم والتحاليل الطبية والمخبرية أن التدخين ظاهرة مرضية تسبب السرطان والتهاب الرئة ومرض القلب، إلى ما هنالك من آثار مرضية أخرى، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل أن التدخين هو ظاهرة تخلف أيضاً تتعمق في الدول النامية، أو ما يطلق عليها دول العالم الثالث؟ لقد أجمع الأطباء في شرق الكرة الأرضية وغربها على أن الإدمان على التدخين يقود غالباً إلى سلسلة أمراض في طليعتها الأمراض السرطانية القاتلة.

وانطلاقاً من هذه الحقيقة المُرَّة، بدأت عملية الوقاية من أخطارها فكانت قرارات عدد من الدول، يمنع التدخين فيها، أو تحديد أماكن للتدخين، ولا يجوز التدخين خارجها، لكن دولة واحدة من الدول النامية لم تقدم على منع استعمال التدخين تحت طائلة القانون: بل على العكس، فإن هذه الدول هي محطات لاستيراد مختلف أنواع الدخان الذي ينتج ويصنع في الغرب، حتى أن بعض البلدان تصنع الدخان وتصدره إلى الخارج على سبيل التجارة، نظراً لما تحققه من ربح كبير، في الوقت الذي تمنع فيه رعاياها من تعاطي الدخان.

فقد جاء في تقرير أعدته منظمة الصحة العالمية، أن الأفارقة على سبيل المثال دخنوا في عام 1984م من السجائر عشرين في المائة أكثر من مجموع ما دخنوه في عام 1979م. أما في عام 2009م فقد تجاوزت النسبة أكثر من 60% من السجائر.

وهذا الأمر يؤدي إلى الاستنتاج أن أمراض التدخين ستظهر في البلدان النامية، قبل السيطرة على الأمراض السارية، وسوء التغذية.. والظاهرة الباعثة على القلق في رأي خبراء الصحة العامة هي شيوع عادة التدخين بين الشابات مع ما لهذه العادة من تأثير على الحمل والأجنة وعلى أطفالهن في المستقبل، حيث تظهر الدراسات ما يأتي:

- أن نسبة العقم عند النساء المدخنات هي أكثر بثلاثة أضعاف منها عند غير المدخنات.

- يزيد التدخين أثناء فترة الحمل من خطر حصول الإجهاض التلقائي والوضع السابق لأوانه، وتشير الإحصاءات إلى أنه تحدث في الولايات المتحدة الأمريكية عشرة آلاف حالة إجهاض تلقائي سنوياً وعشرة بالمائة من حالات الوضع السابق لأوانه، بسبب التدخين.

وقد توصل الباحثون في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تبيان علامة مباشرة بين تدخين الحوامل ونقص وزن المولود، فكلما ازداد عدد السجائر التي تدخنها الحامل، قل وزن مولودها عن معدله الطبيعي، وبديهي أن وزن المولود هو من أهم العوامل المعددة لحظوظه في البقاء على قيد الحياة وافي النمو والتطور.

- لكل النساء المدخنات إلى «سن اليأس» أي انقطاع العادة الشهرية، في وقت أبكر، ويلاحظ عندهم نقص نسبي في مادة الإستروجين.

كذلك تتعرض المدخنات اللواتي تزيد أعمارهن على الثلاثين ويتناولن حبوب منع الحمل، إلى خطر أكبر لتطورات تصيب القلب والأوعية الدموية، كما يؤثر التدخين بدوره على فعالية بعض وسائل منع الحمل، ويزيد نسبة الضعف من خطر إصابة المرأة بسرطان عنق الرحم.

ورغم التحذيرات الصحية على أخطار التدخين على المولود، تجد أن امرأة بين كل أربع حوامل تتعاطى التدخين، وتشكل النسوة الشابات في الدول المتطورة والنامية ثاني أعلى نسبة بين المدخنين الجدد بعد البالغين الذي تتراوح أعمارهم بين عشر وأربع عشرة سنة.

ومما يزيد الطين بلّة لبلدان العالم الثالث أن نسبة (النيكوتين) هي أعلى قياس إلى نفس الأصناف المباعة إلى الدول المتطورة. وتزداد نسبة الإدمان على التدخين في العالم الثالث مع ارتفاع القدرة الشرائية لدى السكان وازدياد نسبة قاطني المدن، ويتفشى التدخين بصورة مقلقة بين الأطفال والتلاميذ، ففي السنغال مثلاً يمارس التدخين 70% من طلاب المدارس وبعض بلدان أمريكا اللاتينية كتشيلي والأرجنتين والأورغواي تبلغ نسبة التدخين بين الفتية والفتيات بعمر 15 سنة حوالي النصف أما في جاكرتا (إندونيسيا) نسبة المدخنين من الصبية بين 6-12 سنة تبلغ 41% و12% من الفتيات من ذات الأعمار حسب ما ذكرته نشرة منظمة الصحة العالمية.

وأجريت دراسة في معهد الصحة العامة في جامعة هارفرد الأمريكية انتهت إلى التأكيد بان تدخين السجائر مسؤول بصورة مباشرة عن نصف مجموع الإصابات بالنوبات القلبية في مرحلتي الشباب ومنتصف العمر.

فقد ظل كثيرون من الأطباء حتى السنوات القليلة الماضية، يعتقدون أن السجائر هي سبب من أسباب أمراض القلب لدى الرجال فقط، وتصيب الأمراض الأخرى المتصلة بالتدخين مثل الالتهاب الشعبي الرئوي وسرطان الرئة تصيب الرجال والنساء معاً بدرجة متساوية، بينما نجد بين الأمراض النسائية التي تصيب النساء فقط، أن سرطان عنق الرحم وحالة انقطاع الطمث المبكر، أو سن اليأس المبكر يرتبطان الآن بالتدخين بصورة أكيدة.

وقد أشارت دراسة هارفرد إلى وجود أدلة قوية على أن التدخين من العوامل الرئيسية المساهمة في الإصابة بالنوبات القلبية لدى النساء الشابات ومن هن في منتصف العمر، حتى تدخين ثلاث أو أربع سجائر يومياً، يزيد بحدة من خطر الإصابة وفقاً للدراسة المذكورة.

ومما يذكر أن هذه الدراسة تشكل قسماً من مسح أوسع نطاقاً دام أحد عشر عاماً أجريت فيه دراسة صحية لمائة ألف ممرضة، ويشير هذا المسح إلى أنه لا يوجد البتة معدل تدخين يمكن اعتباره مأموناً تماماً، فتدخين أربع سجائر في اليوم يزيد من تعرض الشابات للنوبات القلبية الفتاكة بنحو ثلاثة أضعاف.

أما فيما بين النساء اللواتي يدخن أكثر من خمس وعشرين سيجارة يومياً، فإن التبغ يعد أكبر سبب لأمراض القلب مؤدياً إلى نحو ثمانين بالمائة من الوفيات. ويزداد خطر الإصابة وهو مرتفع بالفعل بصورة جذرية إذا كانت المدخنات معرضات مسبقاً للإصابة بالنوبات القلبية، وعلى سبيل المثال يزداد تعرض المدخنات المصابات بمرض البول السكري وارتفاع ضغط الدم فيبلغ اثنين وعشرين ضعفاً بالنسبة لتعرض الأخيرات غير المدخنات.

وهناك ناحية إيجابية في هذه الدراسة هي أن الخطر المتزايد للإصابة بالنوبات القلبية بين النساء اللواتي دخن من قبل ثم توقفن، هذا الخطر يختفي. لكن هناك دراسات مختلفة أخرى تشير إلى احتمال عدم إصلاح العطب لدى الأشخاص الأكبر سناً الذين يدخنون منذ سنوات عديدة وخاصة الرجال.

ويقول البروفسور في كلية العلوم بإحدى الجامعات الغربية أن نسبة المدخنين ومبيعات السجائر أصبحت كبيرة جداً وتهدد بشيوع حالة صحية كارثية يمكن إعطاء صورة منها من خلال التذكير بأن التدخين هو السبب الرئيسي لتسعين بالمائة من حالات سرطان الرئة وخمسة وسبعين في المائة من الالتهابات الرئوية المزمنة وخمسة وعشرين في المائة من أمراض القلب إلى ما هنالك من لائحة طويلة تطال معظم أعضاء الجسم ووظائفها.

وفي إطار الجهود المبذولة على الصعيد العالمي لمكافحة التدخين، وحماية الناس من أخطاره المميتة، طلب المهتمون بالتربية الصحية من شركة بريطانية الإسهام في هذا المجال، فبادرت مؤخراً إلى تطوير جهاز صغير الحجم يمكن حمله بسهولة كما يسهل استعماله وهو يساعد على إقناع الناس على الإقلاع عن التدخين.

وهذا الجهاز الذي أنتجته شركة بريطانية هو عبارة عن مرقاب لغاز أول وكسيد الكربون السام فهو يقيس مقدار هذا الغاز السام في نفس المدخن عند الزفير.

والمعروف أن أنفاس المدخنين تحتوي على معدلات أول أوكسيد الكربون أعلى من المعدلات التي لدى غير المدخنين وذلك حتى في حالة عدم قيام المعتادين على التدخين بتدخين سيجارة في الوقت الذي يجري فيه اختبار أنفاسه.

والمرقاب الجديد على شكل صندوق صغير وفي أحد جوانبه لوحة رقمية تبين أرقامها معدل غاز أول الكربون كل ما على المرء أن يفعله هو أن ينفخ في حلقة بلاستيكية في الفم مركبة فوق الصندوق، يمكن التخلص منها بعد ذلك وفي داخل المرقاب أداة استشعار إلكترونية، وعندما ينفث المدخن في الحلقة البلاستيكية يدخل الغاز فيحدث تفاعل كيميائي يسفر عن إطلاق شحنة كهربائية صغيرة جداً.



alfrrajmf@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد