Al Jazirah NewsPaper Monday  19/04/2010 G Issue 13717
الأثنين 05 جمادى الأول 1431   العدد  13717
 
حولها ندندن
الجولة
د. جواهر بنت عبد العزيز آل الشيخ

 

لا أحد فوق النقد، هذه حقيقة مسلّمة لكل ذي لب، بل إنها من القواعد الإسلامية الأساسية، فقد قال علماء السلف (كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذه الغرفة) ويقصدون به الرسول، صلى الله عليه وسلم، لأنه لا ينطق عن الهوى، بل هو يتلقاه وحيا إلهيا، وما عدا ذلك فهو القائل لأصحابه: أنتم أدرى بأمور دنياكم، بالإضافة إلى أخذه بمبدأ الشورى الجماعية مما يدل أنه لا يشجع على الاستئثار بالرأي الفردي فهو قابل للخطأ كما هو قابل للصواب.

لكن في مقابل ذلك نهى عن النقد اللاذع والتقريع القاسي، وكان عليه السلام قدوة في ذلك وأي قدوة، وحسبنا في هذا الأمر ما روي عنه في طريقة توجيهه للأعرابي الذي أخطأ خطأ فادحا بتنجيسه المسجد المطهر، فحلم عليه النبي حتى انتهى، ثم أعلمه بجسامة خطئه ولكن بطريقة هي الغاية في الرقي والهدوء.

والنقد الإعلامي المعاصر يفوق تأثيره أي نقد آخر، لأن قوة وسرعة انتشاره تعلو على الوصف، وقد كان الناس في الماضي يتقون شر الشاعر بإكرامه الإكرام المادي والمعنوي ليرد لهم الجميل بأعظم منه، بسبب أنه كان بمثابة الوسيلة الإعلامية في عالمنا الحالي، التي يتناقل الناس ما تقول إن خيرا فخير وإن شرا فشر، بل وتظل أقواله محفوظة في ذاكرة التاريخ للأبد.

لذا فواجب الإعلامي الناقد أيا كان؛ سواء كاتبا أو ذائعا أو رساما كاريكاتيريا، يفرض عليه التأني في النقد وبالذات إذا ذكر اسما معينا، أو حتى ألمح له إلماحا مبرّزا، بأن يتقي الله ويكون موضوعيا في نقده، ويجعل نفسه في موضع الشخص المنقود، متوخيا هدفا عاما ساميا، وليس تصفية حسابات أو شخصنة نقد.

وقد حرم الإسلام الهجاء والخوض فيما يكره المسلم، وسجن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشاعر الحطيئة، بل وهدده بقطع لسانه إذا خاض في أعراض المسلمين، وذلك حينما شكا إليه العديد من الناس، وكذلك المواثيق الإعلامية الحديثة تنادي بالجمع بين حرية النقد الإصلاحي وبين عدم المساس بسمعة واعتبار الآخرين، وعدم ظلمهم وخدش مشاعرهم أو إفشاء أسرارهم أو إهانة كرامتهم.

والهدف من ذلك أن تؤدي وسائل الإعلام دورها الرقابي الذي يخدم المصلحة العامة لا الخاصة، بعيدا عن التسرع وإثارة اللغط والفتنة الفكرية في المجتمع المسلم الواحد، وأن يعلم الكاتب أن خلفه مسؤولية شرعية ومساءلة قانونية، كي لا تفقد وسائل الإعلام مصداقيتها، حيث يكون الرأي منصبا على القضية أو الرأي أو الإشكال، وليس التعرض لشخص بذاته، واستخدام العبارات العدوانية أو الأساليب غير اللائقة التي تستفز وتهدم أكثر مما تصلح وتبني.

وبعض الكتابات الصحفية توحي بأن صاحبها لم يعد في جعبته شيء إلا مهاجمة الآخرين دون تروٍّ أو تؤدة أو تفكير منطقي، مع أن هؤلاء أكثر من وجهوا اللوم لبعض الكتاب الإلكترونيين المنزلقين في الأساليب غير اللائقة دينيا وأدبيا وخلقيا، بل إن أولئك الكتاب الورقيين يوجهون النقد اللاذع لبعض خطباء المساجد حينما يهاجمون شخصا أو برنامجا أو مسلسلا بعينه، مستندين لبعض وجهات النظر الدينية، فما بالك بمن يجادل بغير هدى ولا كتاب منير.

إن أي عاقل لا يريد إصلاح الخطأ بأخطاء أكبر منه، ولا يريد أن تؤجج الفتن بين مثقفي الأمة، وحرية الرأي لأي عالم أو مثقف مكفولة له ما لم يفرضها على غيره، ورأيه قد يكون خاطئا قابلا للصواب، ورأي غيره قد يكون صائبا قابلا للخطأ، ولقد أنفقت دولتنا الكثير كي تنمي في مثقفيها روح الحوار الراقي وتقبل الرأي الآخر حتى لو كان بعيدا، فكيف بالرأي الأقرب؟!



g.al.alshaikh12@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد