Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/04/2010 G Issue 13722
السبت 10 جمادى الأول 1431   العدد  13722
 
التجار الدعاة؟
د. زيد بن محمد الرماني

 

من المعلوم أن الإسلام انتشر في مشارق الأرض ومغاربها، بعدة طرق من أهمها: الفتوحات والتجارة والدعاة، بيد أن من أهمها ما قام به التجار في نشر الدعوة. وقد عرفت الدعوة الإسلامية بصحة المبادئ المبنية على أسس راسخة، مدعمة بفضائل خلقية عالية ومُثُل اجتماعية سمحة.

وكان ليُسر الوسائل الدعوية وسلامتها، الأثر الواضح في اجتذاب الأفئدة إلى دين الله الحق، حيث اتسمت هذه الوسائل باللين والتسامح، اهتداء بقوله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

فدعوة الإسلام لا تفرِّق بين الأجناس البشرية، أو الألوان أو الأنواع أو الطبقات، فالجميع سواسية أمام الدعوة في سبيل الله. ولذا، يقول أتر بوري (بمجرد أن يدخل الزنجي في الإسلام يشعر بكرامة نفسه، بعد أن كان يعتقد ذاته عبداً، ويصبح في نظر نفسه حُراً).

ويؤكد ذلك سبنسر ترمنجهام بقوله: في حين نجد الكهنوت الغربي برسومه وتقاليده معقداً غاية التعقيد مما ينفر النفس البشرية، فإن الإسلام يأخذ المجتمعات الإنسانية بالرفق والأناة حتى لا تكون النقلة مفاجئة.

جاء على لسان أندري راسين صاحب كتاب (غينيا الفرنسية) قوله: (أن نمو الإسلام بين السود يرجع لبساطة قواعدة).

يقول عزّ وجلّ(فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ..). من هنا، نجد أن من سمات التجار المسلمين الالتزام بتطبيق المنهج القويم في سلوكهم وفي حياتهم، فكان الصدق والأمانة والإخلاص وعمل الخير، من أهم الوسائل التي وصلوا بها إلى أعماق قلوب الناس.

بل، لقد كان التجار دعاة لدينهم، بالفطرة، وكان هؤلاء التجار المشعل الذي أضاء طريق الدعوة للإسلام فانتشر من صدورهم في أرجاء الكون، حيث كانوا نماذج مثلى يحتذى بها في جميع الأعمال الفاضلة.

وكان من أهم السمات التي تحلى بها التجار المسلمون التواضع، حيث نجد أن المعاملة المبنية على التودد والتواضع والإحسان، ركيزة الدعوة الإسلامية. ويقول باذل دافدسن (لعل من محامد العرب المسلمين - في موضوع الرِّق، أن العلائق بينهم وبين رقيقهم كانت إنسانية لحد بعيد).

وهناك من الصفات التي امتاز بها هؤلاء التجار حينذاك الكثير، كالصدق والصبر والخلق الرفيع والسلوك النزيه والأمانة، وقد كان لهذه الصفات الأثر الحيوي في كسب الاحترام والثقة.

ومن هنا، انطلقت دعوة الإسلام في آفاق الدنيا وانتشرت انتشاراً منقطع النظير، شهد بذلك العدو قبل الصديق، والبعيد قبل القريب والغائب قبل الشاهد.

ولقد كان الرعيل الأول من التجار أهل علم ودراية بالمؤثرات النفسية على تلك الشعوب، فكانوا يقضون فترات طويلة متجولين بين القبائل خاصة في المواسم التي لا تستطيع دواب التنقل السفر ما بين الساحل والظهير، مما أتاح الفرصة أمامهم للاستقرار بين ظهراني الأهالي والشعوب.

جاء في بحث الأستاذ أحمد محمد العقيلي الذي بعنوان (دور التجار في نشر الدعوة الإسلامية) قوله: وعن طريق - الاستقرار بين الشعوب المدعوة - تمكّن التجار من معرفة الكثير من العادات والتقاليد واللغات التي كانت العامل الأساس في تمكّن هؤلاء التجار من سبر غور هذه الشعوب. وبذا استطاعوا النفاذ إلى قلوب هذه الأمم بنشر العقيدة الصحيحة.

ومن هذا المنطلق استطاع التجار لكثرة احتكاكهم واختلاطم بالأمم أن يقوموا بالدور الرائد في نشر دين الله، حيث ترعرعت الدعوة الإسلامية في ظلال التجار الذين غرسوها بأيد أمينة وقلوب مخلصة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد