Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/04/2010 G Issue 13722
السبت 10 جمادى الأول 1431   العدد  13722
 
القانون يجب أن يحمي المغفلين
مي عبدالعزيز عبدالله السديري

 

إذا استعرضنا ظلال المعاني التي تشير إليها كلمة (مغفل)، نجد أنها تشمل سليم البنية، سهل الانخداع، رضيع، وهي كلها -كما نرى- تدل على أن ذلك الشخص يفتقد القدرة المعلوماتية التي تمكنه من التفريق بين ما هو في صالحه أو في غير صالحه. وكما ذكر أعلاه، نجد أن أحد ظلال مدلولات كلمة مغفل هناك مدلول (طفل)، وإذا اعتمدنا هذا الظل نجد أن مدلولات الظلال الأخرى تصبح تحصيل حاصل لمعاني هذه اللفظة، فطالما أنه (المغفل) طفل فإن ذلك يعني سهولة خداعه، وهذا ينطبق على باقي الظلال التي تشير جميعها على أن القرار الذي يتخذه المغفل لا يستند إلى المعطيات التي يجب توفرها لاتخاذ القرار السليم.

دعنا نعود إلى ما يستخدمه الناس في هذا الخصوص.. نرى أن هذا الشخص قد يتخذ قراراً وفي معظم الأحيان لا يكون في صالحه، وتأتي النتائج بما هو ليس في الحسبان، وينتشر الخبر بين أهله وأصحابه، ويكون التعليق على ذلك من الجميع (أن القانون لا يحمي المغفلين)، وهذا ظلم يضاف إلى ظلم من ظلمه.

هذه فكرة دخيلة على بلادنا.. هي فكرة غريبة.. معيارها الكسب على حساب المغفلين.. وهذا مخالف ومناقض للقانون الإلهي الذي لا يحاسب الجاهل إذا أخطأ بسبب جهله.. ولا يحاسب القاصر إذا أخطأ لأنه قاصر.. فمن ارتكب عملاً بجهالة أو اتخذ قراراً خاطئاً بسبب عدم فهمه لما يفعله فإن الله لا يحاسبه. نعم هذا المفهوم الذي يرتكز على تحمل المغفلين لمسؤولية ما يقولونه أو ما يتخذونه من قرارات إنما هو مفهوم مناقض للمنطق والعقل والعدل.

وإن كلمة مغفل التي تعني سلامة النية والقلب الطيب لا تنحصر بمن هو غير متعلم وإنما تشمل المتعلمين أيضاً ممن يحملون شهادات عليا جامعية ولكن لديهم قلوب طيبة، يفترضون الخير في جميع الناس دون أن يحسبوا حساباً للمحتالين والغشاشين والماكرين.. ولذلك نجد أنهم يقعون في حبال هذه الفئة المخادعة ويتكبدون خسائر فادحة تكلفهم في بعض الأحيان شقاء دائماً في حياتهم.

وبهذا الخصوص، نرى أن عدداً كبيراً من هؤلاء الناس المغفلين يقعون ضحية خداع وغش الآخرين، لأنهم بسطاء، سليمو النية، يسهل على الخبثاء من الناس أن يتلاعبوا بمصالح هؤلاء البسطاء الطيبين. وهنا لابد من التنويه بأن الدولة يجب أن تحمي حقوق هؤلاء الناس، طالما أنهم يتعرضون لمكر وخداع الآخرين بسبب طيبة قلوبهم وحبهم للخير، وتشمل ذلك الأميين والمرضى وكبار السن وحتى المثقفين، كما سبق أن ذكرت. كم من قصة سمعناها تشير إلى تسلط هؤلاء الماكرين على تلك الفئة الطيبة التي لا ذنب لها سوى سلامة نيتها وعدم الظن بالسوء في الآخرين.

لقد جاءت الأديان السماوية كلها وحتى الوضعية منها وأوصت برفع الظلم عمن يقع عليه ظلم ما، خاصة وأن الذين يظلمون الآخرين هم فئة من أصحاب النفوس المريضة الطفيلية والتي تعيش على حساب تعاسة الآخرين وأكل حقوقهم بالباطل، هذه الفئة التي تستغل بساطة وحسن نوايا الآخرين ذوي النفوس الطيبة والخيّرة، وقد أثبت الواقع أن فئة الماكرين هم أشخاص أحبوا الدنيا أكثر من حبهم للحق، فهم لا يفرقون بين حلال وحرام، وكل همهم كسب المال تحت أي مسمى وبأية طريقة، مبررين جشعهم بمقولة ميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة)، فمثل هذا الأمر مرفوض ومدان ديناً وعقلاً وخلقاً.

في الدول الغربية، نجد لكل مواطن محامياً يثبت له حقوقه في أي مستند يوقعه، وأما بالنسبة لنا في العالم الثالث فإن ذلك المحامي لم يأخذ دوره بعد في مجتمعنا، ويتصرف الناس على البركة وسط مجتمع يتضمن فئة من الذين اتخذوا الغش والخداع ومبدأ تصيد الطيبين مهنة لهم، ويستغلون مجتمعنا الفطري الذي لا يريد المواطن فيه أن يخسر سمعته من أجل المال. وطالما أننا لسنا غربيين ولا نستفيد من المحامين، فإن من واجب شيوخنا الأجلاء أن يُفهموا هذه الفئة بحقوقها وأن يطلبوا من أفرادها عدم التوقيع على أي مستند إلا بوجود من يثقون به، شيخ جليل أو محامٍ، وذلك لكي لا يقعوا فريسة سهلة في حبال المكر والخداع. وإذا حدث وأن وقع هؤلاء ضحية للخداع فإن من الواجب أن لا نترك ذلك الخادع طليقاً يستمتع بما أخذ عن غير وجه حق، بل يجب إعادة النظر في العقد الموقع من قبل الجهات الرسمية وإعادة الحق لصاحبه مع إيقاع الجزاء على ذلك المحتال.

لابد من إرشاد قانوني.. وكلنا نعلم أن الدولة تقوم بتحكيم الشرع في الاتفاقيات، والحمد لله أصبح لدينا محامون سعوديون. ويجب أن يشترط عند توقيع أية اتفاقية أو عقد وجود محامٍ لكل واحد من أصحاب العلاقة في ذلك المستند، علماً أن الدولة ترعى أبناءها ولا تسمح للمتسلقين والجشعيين بأكل حق الغير. ولكن بالطبع علينا أن نساعد الدولة، وذلك بإحضار محامٍ متخصص عند توقيع أي عقد مع الآخرين. وفي الدولة الإسلامية فإن الملك هو ولي أمر المسلمين. وكما ذكرنا علينا أن نسهل عملية الحفاظ على الحقوق بواسطة توقيع اتفاقيات يشرف عليها ويوجهها أشخاص متخصصون، محامٍ، أو شيخ فاضل. وفي الوقت ذاته علينا جميعاً أن نوضح هذا الأمر للجاهلين أو الذين ليس لديهم علم بمتطلبات توقيع العقد، وأن لا نركن لحسن الظن، لأن العالم أصبح مادياً. وأن لا نعتمد على مقولة (الدنيا بخير) لدينا أشخاص يحسنون الظن بالآخرين ويوقعون مستندات دون أن يعتمدوا على محامين أو شيوخ أجلاء، وفي نهاية المطاف يقعون في مشكلة لأنهم قد وقعوا على عقود دون فهم محتواها، وهنا يقال لهم (العقد شريعة المتعاقدين).

لقد ذكر لنا التاريخ كثيراً من الوقائع التي ألغى فيها أولياء أمور الدولة عقوداً جائرة وقعها طيبون مع آخرين محتالين، فهذا عمر بن عبدالعزيز يعيد لبيت المال ما أخذه الأقوياء بغير حق قبل ولايته، وهذا عمر بن الخطاب يوقف حد السرقة عن الفقراء المعدين. نعم أن ولي أمر المسلمين أقوى من الأقوياء وهو وحده يستطيع أن يمنع استغلال الإنسان القوي لأخيه الإنسان.

فكرة «القانون لا يحمي المغفلين» هي فكرة غربية غريبة على مجتمعنا، لأنها تعطي الفرص في الكسب غير الشرعي بأي طريقة لاستغلال الآخر. وقد جاء الأديان لتحمي الضعيف لا لمناصرة القوي على الضعيف.

وبهذه المناسبة يحضرني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، وبالطبع أن من يستغبي البسطاء ويضحك عليهم إنما يقوم بسرقتهم وبالتالي يجب منعه من ذلك وعدم إعطائه الفرصة، وذلك بتعيين محامٍ أو بإشراف شيوخنا الكرام، وإلا فإن شريعة الغاب تسود في المجتمع، وهذا أمر يؤدي إلى تفتت المجتمع وانهياره.

وهنا أنادي سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي ولي العهد وصاحب السمو الملكي النائب الثاني بالنظر في هذا الأمر -أدامهم الله جميعاً للوطن والحق والخير.






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد