Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/04/2010 G Issue 13723
الأحد 11 جمادى الأول 1431   العدد  13723
 
لما هو آت
لمحة خيال...!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

رافق الحيوانُ الإنسانَ شراكة الأرض، ونبت الشجر، ودمع النهر, والبحر والنبع، ومأوى الجبل، وظلا حيث يُظلُّ، ودربا حيث يُقلُّ, يتخذه لحراسته، ولصولاته، ولحمولته، ولتنقله، بل لأسفاره، تعلم كيف يتعامل معه، وعرف طباعه، وتدرب على السلوك معه،.. امتدت رفقة الإنسان بالحيوان حتى شاطره همومه، وسامره أحلامه، وامتزج بحكمته وأفكاره، كثيراً ما بكى الإنسان وأنَّت لنوحه دابته، وكثيراً ما هلك الإنسان فخلَّصته من براثن هلاكه راحلته، تسقيه ماء، أو تركض به في منأى، أو تخرجه من معاركه منتصراً، أو تنقض على عدوه فترديه،.. وكثيراً ما تفتدي جوعه، فتكون وجبة بين يديه، على صفحة طبقه،..

هجرها الإنسان حين أتاح لحد العقل فيه التمرد على خلوها منه، وقفز فوق لحمها، ودمها بسطوة الحديد بين يديه، نظير مقدراته،.. وتحول الحيوان من براح الطرق، وظلال الجدران، والركض في معية أطراف الإنسان، ليصبح إما ضالاً في فلاة، أو مسيجاً في مناطق محظورة، أو في أقفاص عرض مغر للبيع والشراء، أو في حدائق للفسحة والتعرف والتباين بين أنواعه وأشكاله، ومناطقه وفصائله، أو في مضامير سباقات, يتباهى بوفرة انتصاراتها فرسانه,.

لم تعد كلاب الليل الضالة تخيف الصغار، بل غدت واجهة ترف في البيوت والأقفاص والعربات،.. ولم تعد أثداء الغنمات ترفد المرضعات والصغار، فقد زاحمتها أنواع الحليب المعلب والثلج والمركز تعج بها أرفف البائعين، وانعتقت أبواب البيوت من حلقات تأوي إليها الحمير، والجياد، والبغال..,

وجهل الصغار أمر الدواب من الحيوانات الأليفة رفيقة الإنسان..,...

فانطلق الأهل للبراري، لمرافق النزهات، وساحات اللعب لإمتاعهم بعضاً من الوقت بركوب الجمال أو الجياد أو البغال، ليعودوا يلهجون بالفرح، بينما اختفى الحمار، ولم يعد إلا رمزاً في الرسوم الورقية أو على هيئة خامات نسيج ملون،...

بالتأكيد سيدمع الحمار، وتجري دموعه على خديه، حين شهق الصغير وهو يعبث به لعبة بين يديه، فأقصته الطبيبة النفسية عنه، وهي تؤكد لأمه بأن تقصي هذه اللعبة عنه، إذ لا ينبغي للصغير أن يغدو حماراً لا يفكر في كبره...

سيعود الزمن أدراجه، ذات خسارات، سيعود، والإنسان لم يبن له أي حسابات، سيعود، فيه الإنسان، يطفق بحثاً عن شريكه في الحياة... حماره وبغله، وحصانه، وشاته، وزمناً خالياً من السموم والوباءات، ومورداً نقياً من التلوث والأدواء، ولبناً سائغاً، ورفيقاً صادقاً.., وظلَّ قمر لم تعبث به آلة، أو يشوه نوره طين... وسيصدح الليل ببقايا الحكايات.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد