Al Jazirah NewsPaper Wednesday  12/05/2010 G Issue 13740
الاربعاء 28 جمادى الأول 1431   العدد  13740
 
أنت
هجمة مرتدة
عبد المحسن الماضي

 

انطلقت في ثمانينيات القرن الماضي حملة من المساجد، وانضمت إليها وسائل الإعلام؛ لتشويه مفهوم الحداثة.. ونجحت إلى حد كبير في سعيها حتى رسخ في أذهان البعض أن من حسن إسلام المرء كره الحداثة والحداثيين.. واليوم بعد أكثر من ربع قرن أخذت الحملة اتجاهاً معاكساً من الحداثيين على التقليدية والتقليديين منطلقة من وسائل الإعلام، ولا ندري هل سيصل الأمر إلى المساجد أم سيقف دونها.

التقليدي، حسب الوصف الحداثي، هو الذي يعظم الماضي فقط ويدور في ثناياه ويطبّق ثوابته ويؤمن بتعاليمه ويتبع نسقه ويرى فيه الأصالة.. ويرفض ما يقابله من حداثة وعصرنة يراها التقليدي بدعة وخروجاً عن المألوف ومعاكسة للمعتاد.. كما يرى أنها تشكّل تهديداً اجتماعياً لا بد من مواجهته بالحماية الذاتية، ولا يكون ذلك إلا من خلال المزيد من التشدد في المحافظة على التقليدية.

الحداثي يتهم التقليدي بأنه رافض للتغيير والإبداع والتجديد.. وأنه قد اختلطت عليه الأمور، وصار مبدأ الثبات في مفاهيمه وقيمه بمعنى الوقوف أو الجمود.. وأن حركته دائماً مكانها؛ فهو لا يريد أن يتقدم إلى الأمام خطوة خوفاً من التحول عن الثوابت.. حتى تقدم العالم من حوله وبقي هو في مكانه فصار بذلك متخلفاً.. يقف دائماً موقف الحارس على القيم الميتة.

كما يرى الحداثي أن التقليدي يعيش في الماضي ولأجله.. ويدور في فلك الأسلاف والأجداد والعادات والتقاليد المتوارثة.. وهذا ما يجعل المفاهيم والمضامين التي تنتمي إلى تلك الأزمان القديمة مقبولة لديه مثل الإيمان بالسحر والعين والجن وتأثير وأرواح الأموات.

كما يرى أنهم دائماً في حالة تجييش وحشد ضد كل تجديد أو تحديث أو تغيير في الأفكار والمفاهيم.. والتحذير من كل ذلك لريبتهم وما قد يفتحه عليهم من أبواب الفساد مهما كان مضمون التطوير.. حتى صارت الحداثة في مفهوم التقليديين خطراً على الهوية لا فرصة للمعاصرة.. وصاروا يُحقرون الحاضر ويُخوفون من المستقبل ويتهمون بالتآمر كل من يدعو إلى التحديث والتطوير.

الحقيقة هي أن تكون تقليدياً فإن ذلك يعني أنك تركن إلى نمط معيشي معين.. ولكل إنسان الحق في أن يعيش وفق النمط الذي يريده ويرتاح إليه.. ومن المهم أن يكون من المجتمع من يمارس هذا النمط من الحياة.. لأن وجوده يعد إضافة إلى التنوع الاجتماعي الذي يحفظ له التوازن. لقد بدأت اليوم بعض نتائج الهجوم المعاكس من الحداثيين على التقليديين في الوضوح.. حيث نجحوا - كما يبدو - في تلويث معنى التقليدية حتى صار يتحاشاها التقليديون وصاروا يصفون أنفسهم بالمحافظين.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد