Al Jazirah NewsPaper Saturday  15/05/2010 G Issue 13743
السبت 01 جمادىالآخرة 1431   العدد  13743
 
بين الكلمات
الإصلاح والحقوق..
عبد العزيز السماري

 

أصبح مطالب استيفاء الحقوق ظاهرة وطنية، كذلك جاءت القرارت لتؤكد التزام الدولة بمحاسبة المفسدين، ليصبح الحدث عنوانا للمرحلة الحالية، وأملاً حياً للأجيال القادمة، فالوعي بضرورة الاتجاه نحو المستقبل أضحى واقعاً لا هروب منه، وجاء الوعي الجماهيري مواكباً لتطور الإنسان في مراحله التاريخية، وأصبح حال الناس يدفع في اتجاه واحد نحو الإصلاح بمختلف اتجاهاته، وظهرت القيادة الحكيمة في مقدمة الركب من أجل تحقيق المصالح الوطنية في ظل مرجعية الشرع والتشريعات القانونية، لكن القرارات الإصلاحية لا يمكن أن تظل خطوطاً عريضة على صفحات الإعلام، ولابد لها أن تدخل في طور التنظيم الإداري والقانوني، وذلك من أجل أن تصبح تقليداَ، ومتلازمة طبيعية للتنمية الجادة على أرض الوطن..

تكمن الإشكالية الحضارية التي نواجهها في غياب الحقوق الإنسانية في الإرث الفقهي، فالفقهاء لم يذكروا للحق تعريفا خاصا، أو لم يعرفوه أصلا، بل اكتفوا بذكر مسائل الحقوق مبعثرة فى كل باب حسب الحاجة، وهو ما يعني أننا أمام تحدٍ حقيقي، وهو هي الاجتهاد من أجل تشريع الحقوق الإنسانية، وإدخالها ضمن منظومة الحياة المدنية في المجتمع المسلم، ولا يختلف اثنان أن الإرث الإسلامي الأخلاقي يدخل في مضامينه قضية الحقوق الإنسانية، لكنها لم يكن لها باباً في كتاب الفقه الإسلامي..

نال فرض حقوق الله عزل وجل على المؤمنين فصولاً طويلة من الجدل في تاريخ علم المسلمين، فقد كان الصراع الأكبر في القرون الأولى بين المتكلمين وأهل الحديث وغيرهم في قضية الاختيار والجبر، وهل كان الإنسان مخيراً أم مجبراً في امتحان الدنيا و في تأدية حقوق الله عزل وجل، أما في الاتجاه الإنساني أو حقوق الناس فلم تتطور قضايا الحقوق الإنسانية عند المسلمين في عصر التدوين، بالرغم من أنها كانت تمثل محور القضايا في عصر الخلافة الراشدة، وأنها بالفعل تدخل في واجبات وحقوق الله على عباده، ولو تأملنا سيرهم لأدركنا أن شعار الحقوق كانت أحد أهم أسباب الفتنة، لكن صراعات الحروب السياسية وبدء عصر الجدل آذن بانتقال الصراع الإنساني إلى ميدان الانشقاق النظري في قضايا العقائد، وأجل كثيراً من قضية الأنسنة في تاريخ المسلمين..

دفع المسلمون كثيراً ثمن ابتعادهم في عصورهم المتأخرة عن قيمة الحكمة الإنسانية وقدرة العقل الإنساني في تطوير المقاصد العظيمة، وكان مآل المعارك الطويلة بين المثقفين والفقهاء ليس في مصلحة الحقوق والأنسنة، وقد انتهت بانتصار الفقهاء، وانتشار وريقات الرسائل والكتيبات، ثم إغلاق آخر فصول العقل في تاريخ المسلمين في الأندلس كنهاية مرحلة لم تكتمل، لكن مرجعية العالم الإنساني أعادت لنا بعض بضائعنا بعد ستة قرون من سقوط آخر معاقل العقل في غرناطة، ودخلت إلى منازلنا من أوسع أبوابها، ولتخرج علينا دعوات شعاراتها الديموقراطية والإصلاح المدني وحقوق المرأة والطفل والشفافية، ولم يعد أمامنا خيار إلا الالتحاق بالركب الإنساني، وأن نعيد للحكمة الإنسانية وقيمة العدل مواقعها في المجتمعات الإسلامية.

كان من أهم تحديات القضاء في العصور الإسلامية الفصل في استيفاء الحقوق من أهل النفوذ المعتدين، فقد دخل مبدأ لا ضرر ولا ضرار إلى أحكام القضاء وأن الإنسان لا يجوز أن يضر بنفسه، فظهرت علامات الخوف في أحكام القضاة كدلالة على عدم استقلاله وخوفه من ذوي النفوذ، وجاء تقديم المصالح على المفاسد كبوابة يخرج منها الجناة بسبب فرضهم للأمر الواقع، وذلك خوفاً من ضرر أكثر، وقد كان الاستبداد بالقرار يمثل العائق الأهم أمام استقلال القضاة، لذلك رفض بعض رموز الفقه الإسلامي العمل في بدء الأمر مع بعض السلاطين، وذلك خوفاً من إرغامهم على استغلال الأحكام القضائية في مصالحهم الشخصية..

أحدث غياب ثقافة حكم المؤسسات في عصر الدولة الإسلامية فجوة كبيرة في عصر الدولة المسلمة، مما أضر كثيراً باستقرار السياسة في عصور التاريخ السياسي، لذلك كان عمر الدولة قصيراً لا يتجاوز المائة وعشرين عاماً حسب المؤرخ ابن خلدون، بينما تغير الوضع في العصر الحديث، وأصبحت أعمار الدول في أوروبا الغربية التي تطبق حكم المؤسسات تتجاوز الخمسة قرون ولا تزال في أوج شبابها، لكن العهد الإصلاحي يلوح بعصر جديد، وأن الليالي حبلى بالمستقبل المشرق في البلاد الطاهرة..



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد