Al Jazirah NewsPaper Saturday  15/05/2010 G Issue 13743
السبت 01 جمادىالآخرة 1431   العدد  13743
 
الهيئات .. ونبرات المواجهة!
د. سعد بن عبد القادر القويعي

 

تعرضت هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السنوات الأخيرة لسلسة انتقادات، وصل بعضها إلى المطالبة بإلغائها، - سواء - كانت هذه الدعوات من داخل المملكة، أو من خارجها.

وتبنى بعض الكتاب منهجاً غير رشيد في نقاشه لمشكلات الهيئة، مع عدم مراعاته أدوات المعرفة، وبلورة المنهج الفكري الذي يسير عليه الخطاب الاجتماعي؛ لممارسة أنواع من الضغوط عبر وسائل الإعلام، بهدف إلغائها، أو تحجيم دورها في المجتمع. لذا فقد بث الموقع الإلكتروني لقناة «العربية»، في: 20-5-1428هـ، تقريرا بعنوان: «شهية الصحافة تنفتح لرصد شكاوى السعوديين ضد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

ولا يشك عاقل منصف، أن هناك من الكتاب من يختط سياسة التشهير, دون نظرة موضوعية، أو منهجية علمية، والتي تنتهجها بعض وسائل الإعلام في تعاملها مع الأخطاء، التي تصدر من عناصر جهاز الهيئة، وتعمدها تكبير وتضخيم هذه الأخطاء، في خطوة مجافية للموضوعية، والمهنية الصحفية، والعمل الإعلامي الهادف. حتى وصل الأمر ببعضهم إلى حد الكذب، والافتراء، والتمويه على الرأي العام؛ لتحقيق انتصارات فكرية. هذا الحراك المؤدلج من قبل بعض الصحف المحلية، رغم ركاكة أطروحاتهم وضحالة معرفتهم، جعل الأستاذ محمد بن عواد الأحمدي، يؤلف كتابا بعنوان: «موقف الصحافة المحلية من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، ومضى في مقدمة كتابه للقول: «إن موقف الصحافة السعودية من الهيئة، قضية تحتاج إلى مراجعة موضوعية شاملة، تستقرئ الواقع بتجرد وحيادية، وتنظر بتأنٍ في كافة المؤثرات المحيطة بالقضية لمعرفة مدى تأثير كل منها».

لا يمكن - أبداً - أن نقول: إن الهيئة جهاز كامل، كما لا يمكن أن يقال إن الهيئة جهاز ليس به أخطاء، لكن الموقف الصحيح، هو: محاسبة أي جهاز للدولة، وتبصيره بما يتبين من أخطاء، - ومن ذلك - جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

يستحسن أن أشير في هذا الباب، إلى دراسة أنجزها معهد البحوث والخدمات الاستشارية، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حول المشكلات الميدانية. وهي دراسة ميدانية تقويمية، لمشكلات العمل في مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقام بإعدادها فريق علمي تحت إشراف المعهد، لصالح مركز البحوث والدراسات في الدراسة العامة للهيئة، وشملت «3409» بحثا. وقد أشارت هذه الدراسة، إلى أن معظم المشاكل الميدانية، كانت بسبب تأثر البعض بما يكتب عن الهيئة، بالإضافة إلى تشدد بعض الأعضاء الميدانيين، كما بينت هذه الدراسة نتائج مشرقة، التي تتخلص في الآتي:

2- نتائج دراسة القضايا والشكاوى:

أ‌- التجاوزات التي حصلت من رجال الهيئة تمثلت في الآتي:

1 - مخالفة نظام الهيئة والتعليمات الصريحة في العمل الميداني للعضو.

2 - الاعتداء بالضرب.

3 - الاعتداء بالتلفظ النابي.

4 - رفع حدة التوتر أثناء وقوع المخالفة.

5 - عدم التحقق من صحة البلاغ.

6 - المداهمة بدون إذن.

7 - التسرع والعجلة وعدم أخذ الأمور بروية.

ب- بالنظر إلى مجموع المخالفات التي تقوم الهيئة بضبطها، مقارنة بالمخالفات التي يحصل فيها تجاوزات، فإننا نلحظ: أن هذه التجاوزات منخفضة جداً، فالمعدل السنوي للتجاوزات (38) تجاوزاً سنوياً، ومعدل المخالفات التي يتم ضبطها سنوياً (400.000) مخالفة، أو قضية تقريباً، وهي نسبة ضئيلة جداً لا تتجاوز (0.0095%)، فقط خمسة وتسعون من الألف.

ج- يلاحظ أن جهاز الهيئة صارم في مواجهة هذه التجاوزات رغم قلتها؛ حيث إن الإحالة للمحكمة سجل المعدل الأعلى من بين الإجراءات المتخذة، وكذا الإجراءات الأخرى من لفت للنظر، وتنبيه، ونقل للعضو، وإحالة لهيئة الرقابة والتحقيق. وفي المقابل يلاحظ كثرة الشكاوى الكيدية، وتبرئة الأعضاء بعد التحقق من الشكاوى.

د‌- لاحظ فريق الدراسة - أيضاً- عدم وجود معايير محددة للمقصود بالاعتداء اللفظي، فبعض المراكز تعتبر مجرد المعاندة، أو المكابرة تدخل تحت مفهوم الاعتداء، كما هو الحال بالنسبة لمراكز منطقة المدينة المنورة مثلاً، بينما لا نجد ذلك عند بعض المراكز.

هـ- قلة الاعتداءات بحمد الله -تعالى- على ممتلكات الهيئة، بالنظر إلى كون هذه الإحصائية تمثل ثلاث سنوات، وأكثر هذه الاعتداءات بلغ (25) اعتداءً، بمعدل حوالي (8) اعتداءات فقط في السنة.

و‌- معظم هذه الاعتداءات يمكن أن تدرج تحت مسمى الاعتداءات الطفيفة؛ ككسر زجاج سيارة المركز، أو الأعضاء، أو صدم سيارة الهيئة أثناء مطاردة، وما أشبه ذلك.

وبنظرة مجملة إلى الاعتداءات بشكل عام يتضح الآتي:

- جميع الاعتداءات الواردة في الإحصائيات المذكورة، اعتداءات حدثت بشكل تلقائي، أي: أننا لا نجد ضمنها اعتداءً منظماً، أو مخططاً له سابقاً، وهذا مؤشر يجب أن يؤخذ في الحسبان.

- لا يوجد ضمن الاعتداءات السابقة اعتداء بالقتل على أي من رجال الهيئة.

- جميع الاعتداءات التي حصلت كانت السيطرة فيها لرجال الهيئة.

من جانب آخر، فإن دعم الهيئة لأداء رسالتها، اتساقاً مع قيمة شعيرة الأمر والنهي عن المنكر، كونها أحد مبادئ النظام الأساسي للحكم، مطلبا مهما؛ من أجل تحقيق الأمن العقدي، والأمن الفكري، والأمن الأخلاقي. وحفظ البنية القيمية للوطن والمواطن. وتعزيز الجهود الوقائية والنوعية في حفظ ثوابت الأمة والقيم الإسلامية العليا.

بقي أن أقول: إن القراءة المنصفة لخطاب الهيئة الإعلامي في الماضي، كان حذراً ومتحفظاً، ودائماً ما كانت في زاوية المدافع.. أما اليوم، فإن الهيئة تشهد الانفتاح والتواصل مع وسائل الإعلام، وبناء علاقة إيجابية مع الجمهور، وما صدر في معرض الكتاب الدولي الذي أقيم مؤخراً في الرياض دون أن تحدث مشاكل تذكر، دليل على ذلك. وللحق؛ فإن كل الإجراءات الضرورية التي اتخذت في عهد - معالي الرئيس - عبدالعزيز الحمين؛ لتحسين صورة الهيئة، والارتقاء بأسلوب تعامل موظفي الهيئة، ورجالها الميدانيين مع المخطئين، تدل على أن معاليه مهموم ببناء علاقة جديدة، قائمة على احترام بين المجتمع والهيئة. مما يدل على أن منهجا قديما لم يعد يوافق زمننا خرج، ودخل منهج جديد يقوم على الإصلاح، والشفافية، والتصاريح، والسماع أكثر من المواطنين والتفاعل معهم.

وإذا كان ثمة نصيحة أقدمها لمعاليه، فإن الهيئة تتحمل جزءا من المسؤولية، بسبب القصور الذي يعاني منه الخطاب الإعلامي التابع لها، وهذا ما ظهر مؤخراً في التعامل الإعلامي للهيئة في قضية فتاة تبوك - قبل أيام -. مما يجعلني أتفق مع الدكتور عبدالعزيز قاسم، بضرورة التأكيد على عدم المواجهة الإعلامية، - خاصة - مع الصحف الكبرى، فمثل هذه السياسة ستُجيّش الصحيفة ومراسليها؛ للبحث والتنقيب عن أخطاء أفراد الهيئة - كردة فعل بشرية متوقعة -، وسيُشوّش هذا على أداء منسوبي الهيئة الذين عملهم في الأساس هو الميدان، وليس مطالعة الصحف يوميا للبحث عن الضحية الجديدة منهم.

معالي الرئيس: إن مد جسور التعاون والتواصل الإيجابي مع الصحف المحلية، وترسيخ الرسالة الإعلامية للهيئة حول القصور الوظيفي - إن وجد -، وقبول النقد البناء، سيساعد - بلا شك - في تفعيل الرقابة على أعمال الهيئة، ومعرفة أوجه القصور، وبالتالي مناقشته، ومعالجته، وإزالة أسبابه.





drsasq@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد