Al Jazirah NewsPaper Saturday  15/05/2010 G Issue 13743
السبت 01 جمادىالآخرة 1431   العدد  13743
 
وفي الليلة الظلماء يُفتقد «الصانع»
«تاسي» يتخطى بورصات أوربية في ماراثون التراجع جراء أزمة اليونان

 

د. حسن أمين الشقطي

سجل سوق الأسهم الأسبوع المنصرم تراجعاً حاداً أعاده إلى فترات الماضي الأليم، حيث خسر السوق 301 نقطة خلال جلسة واحدة (جلسة السبت)، وذلك تفاعلاً مع مخاوف أزمة مديونية اليونان.. ورغم أن السوق قد تمكن من تعويض جزء كبير من خسائره.. حيث أنهى أسبوعه على خسارة لحوالي 126 نقطة فقط، إلا إن هذه الانتكاسة لم تحدث منذ فبراير 2009.. أي أن فترة الـ 15 شهراً الماضية شكَّلت استقراراً للسوق جعلت المراقبين للسوق يتناسون الاضطرابات والاستجابة المبالغ فيها مع تداعيات الأزمات المحلية أو العالمية.. إلا أن هذا التراجع الحاد أعاد السوق إلى نقطة البداية، أعاده إلى زمن الحساسية المفرطة في التعاطي بمبالغة مع المستجدات العالمية الهامة وغير الهامة.. المرتبطة به وغير المرتبطة به.. والغريب أن الاقتصاد السعودي غير معني كثيراً بأزمة اليونان، لأن الاقتصاد اليوناني لا يُعتبر ضمن الاقتصاديات الهامة في موازين التجارة أو الاستثمار السعودي.. فكيف ولماذا تفاقمت استجابة سوق الأسهم لدرجة أنها فاقت تفاعل العديد من البورصات العالمية الأخرى التي ترتبط اقتصاداتها فعلياً بالاقتصاد اليوناني؟

التراجع القوي للمؤشر مع أزمة اليونان نفسياً وغير مبرر

يوضح الجدول (1) مدى ضعف العلاقات التجارية والاستثمارية بين السعودية واليونان، فحجم واردات السعودية من اليونان لا تتجاوز 426 مليون ريال، وهي قيمة متدنية تقل عن 1% من إجمالي الواردات السعودية.. كذلك فإن الصادرات السعودية إلى اليونان لا تزيد عن 7.8 مليار ريال، وهي أيضا قيمة متدنية مقارنة بإجمالي صادرات المملكة البالغة 11775.4 مليار ريال.. حيث لا تزيد عن 0.7% من إجمالي الصادرات السعودية.. أي أن اليونان لا تعد دولة فاعلة في الشراكة التجارية مع السعودية.. كذلك الحال، فإن قيمة التدفقات الاستثمارات اليونانية (الصناعية وغير الصناعية) المشتركة إلى السعودية لا تتجاوز 38.4 مليون ريال، وهي قيمة لا تذكر إلى إجمالي الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة.. فالاقتصاد اليوناني لا يمثّل أهمية للاقتصاد السعودي، كما أن البورصة اليونانية ليست من البورصات العالمية المؤثرة.. رغم كل ذلك فإن مؤشر السوق السعودي تفاعل مع أنباء أزمة اليونان تفاعلاً كبيراً، يمكن أن نصفه بالمبالغ فيه.. فحتى إن كان التفاعل النفسي مبرراً، فإنه في ضوء المعطيات المذكورة أعلاه والتي يعلمها معظم المتداولين، كان ينبغي أن يكون المؤشر أكثر تماسكاً في تعاطيه مع أنباء أزمة اليونان.

تفاعل البورصات العالمية مع أزمة اليونان

يوضح الجدول (2) كيفية تفاعل أهم البورصات العالمية مع أزمة اليونان.. فبداية يعرض الجدول البورصات الأوربية الكبرى، والتي تُعتبر أكثر ارتباطاً بالأزمة (على اعتبار أنها داخل منطقة اليورو).. وسنركز هنا على استعراض أداء هذه البورصات في إغلاق يوم 7 مايو، باعتبار أنه اليوم الذي انتشر فيه الذعر بالأسواق العالمية.. فقد تراجع مؤشر الفستي 100 البريطاني في هذا اليوم بنسبة 2.6%، في حين تراجع مؤشر الداكس الألماني بنسبة 3.3%.. أما الكاك 40 الفرنسي، فقد تراجع بنسبة 4.6%.. أما بالنسبة للبورصة الأمريكية ممثلة في الداو جونز، فقد تراجع بنسبة 1.3% في يوم 7 مايو وبنسبة 3.2% في 6 مايو.. أي أن تراجعات الأسواق الأوربية والأمريكية الكبرى انحصرت ما بين 1.3% إلى 4.6%.. في المقابل، فإن مؤشر نيكي 225 الياباني، فقد تراجع بنسبة 3.1%.. وهذه التراجعات الحادثة جميعها فُسرت على أساس أنها استجابة لمخاوف أزمة مديونية اليونان، وفُسرت على أساس أن اقتصاديات هذه البورصات ترتبط بقوة بالاقتصاد اليوناني.. ويتوقع أن يكون لأزمة ديون اليونان تأثيرات سلبية حقيقية عليها.. أما الأمر الغريب أن السوق السعودي تفاعل مع هذه الأزمة مثلما تفاعلت معها الأسواق الأوربية المعنية باليونان، حيث خسر المؤشر السعودي (تاسي) نسبة 4.4%، وهي أعلى نسبة تراجع بعد مؤشر (الكاك 40).. أي أن حتى تبرير أن استجابة المؤشر كانت استجابة نفسية جاءت مبالغاً فيها.

افتقاد صانع السوق

تراجع المؤشر السعودي لا يمكن أن يمر مرور الكرام، لأن نسبة التراجع جاءت شديدة، وجاءت استجابة لأزمة لا ترتبط بالاقتصاد السعودي كثيراً، فلا تجارة ولا استثمار يُعتد بهما، وأيضاً لا تعاملات مالية هامة، ولا مخاوف من انكشاف البنوك السعودية على ديون اليونان.. إذن: لماذا هذه الاستجابة المبالغ فيها؟ يوجد هناك احتمالان يفسران هذه الاستجابة المبالغ فيها: إما أن السوق السعودي يفتقد للاستقرار الحقيقي حتى الآن نتيجة عدم وجود صانع التوازن، أو أن مؤشرات السوق بها تضخم كبير (حمولة زائدة).. وبالتالي ما إن يجد السوق أي أزمة من بعيد أو قريب حتى يتمسك بها لكي يفرغ حمولته الزائدة.. والمبرر الثاني قد يكون أكثر منطقية إلا أن عدم توافر صانع التوازن بالسوق يزيد من مخاطر الاضطراب التي يتسبب فيها أي تضخم في مؤشرات السوق.. لذلك، فإن السوق الآن - بعد كل الإصلاحات والتحسينات التي أُدخلت عليه - يفتقد بقوة إلى وجود الصانع الذي يحفظ له توازنه.. هذا رغم أن هؤلاء الصنَّاع (ولا نقول الصانع) بالفعل موجودون.. ولا ينقص سوى التنسيق بينهم أو إعطاؤهم الضوء الأخضر لكي يكونوا فاعلين.. فالصناديق الحكومية تعتبر أفضل من يمكن أن يقوم بهذا الدور التوازني، فهي مستثمر طويل الأجل، والذراع المالية للحكومة، وبالتالي فيمكن أن تصبح أساس التوازن بالسوق.. إن التساؤل الهام: لماذا لم يتم تفعيل صانع السوق حتى الآن صراحة؟.. ما الذي يعوقه؟.. وهل فعلاً يمكن أن يصبح قيداً على حركة التداول بالسوق؟.. بالفعل يمكن أن يصبح قيداً إذا كانت مؤشرات السوق لا تزال متضخمة وبعيدة عن مستوياتها العادلة.. إذن فلا نزال نحتاج تأكيدات حول مدى عدالة قيمة المؤشر الرئيس للسوق.

جدول (1) مساهمة اليونان في الصادرات والواردات السعودية في عام 2008م (مليون ريال)

جدول (2) استجابة البورصات العالمية لأزمة اليونان (معدلات التغيُّر اليومية %)



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد