Al Jazirah NewsPaper Saturday  15/05/2010 G Issue 13743
السبت 01 جمادىالآخرة 1431   العدد  13743
 
المسكوت عنه
لماذا الاختلاط وليس الاقتصاد؟!
د. حمزة بن محمد السالم

 

متى ضحُلت ثقافة أمة سخُفت اهتماماتها وصغُرت طموحاتها وكثُرت توافهها واستُهلكت طاقاتها وأضاعت أولوياتها، فقعدت في مؤخرة الأمم تسخر بالرابح من الشعوب وتستهزئ بالفائز من الأمم، تُسلي النفس بتاريخ الأجداد وتُمني الأحفاد بأحلام العشاق، وتتشدق بأساطير القُصاص فسبحان مُقسم العقول ورازق الفهوم، والحمد لله على كل على حال.

في الاقتصاد الحديث لا ينشأ الفقر بسبب عدم وجود الثروة، بل بسبب عدم توفير الوسائل لخلق الثروة، وحسن توزيعها وأهم وسيلة لخلق الثروة ثم إعادة توزيعها هي التمويلات.

فالتمويلات هي دم الاقتصاد الحديث، ولذا فقد بلغت قيمتها المحلية في أمريكا المسكينة الفقيرة - ومن غير احتساب القطاع البنكي والمالي- إلى 35 تريليون دولار هذا العام، أي ما يقارب330 سنة من ميزانية السعودية.

إن تحريم التمويل بفقه الاحتياط فيما مضى ثم استحلاله بالحيل الساذجة فيما بعد مع إرهاقه بالقيود المكلفة جعل بلادنا تعيش شللاً اقتصاديا عاما منذ أربعين سنة.

وندرة التمويلات وارتفاع كلفتها خلق الاتكالية على الدولة فاستنفد مواردها، كما خلق الطبقية المقيتة بتركز الأموال في يد من ملكها قديما، مما ساعد على انتشار الفساد المالي، وحرم المواطن من أبسط حقوق الملكية وأضاع مدخراته، وسد قنوات الاستثمار، وقضى على الإبداع في المبدعين المنتجين لاستحالة توفر رأس المال، وهجر رؤوس الأموال المحلية وطرد الأجنبية منها، والمجتمع غافل عن الأسباب غير مبال بالعواقب قد أُشغل أو انشغل بهوامش الأمور.

ويا تفطر فؤادي على بلادي، تمر عقود الزمن وهو في شغل بوجوب رفع السبابة أو عدمه في التشهد وفي مقدار إطالة اللحية وتقصير الثوب، وفي عباءة الكتف أو الرأس، وإذا علت همومه فإلى زواج المسيار وسياقة المرأة حتى تطورنا فوصلنا إلى جدلية جواز الاختلاط أو عدمه، والاقتصاد مُهمل ضائع يتقاذفه أرباب الحيل وبعض أصحاب رؤوس المال في مسرحية هزلية يدفع تكاليفها المواطن الضعيف والمجتمع والوطن.

فلِمَ الاختلاط هو القضية اليوم وليس الاقتصاد؟ في رأيي الخاص أن ذلك يعود لأسباب عدة منها:

سهولة موضوع الاختلاط والتي جعلت من أطروحاته العلمية والفكرية والعقلية سوقا تنافسية يسهل الدخول فيها والخروج منها على عكس الأطروحات الاقتصادية.

ومن الأسباب، أن الاختلاط يمس عموم شرائح المجتمع بلا استثناء، بينما الفقر مختص بشريحة تسلم أمرها غالبا لمن يزيدها فقرا، وأما أهل الأموال فهم غالبا ما يتوفر لهم الخيار الاقتصادي.فأما إن كانت مشاريعهم ناجحة ومربحة لم يلتفتوا للمسرحيات الاقتصادية الهزلية، وإما إن احتاجوا لتسويق بضائعهم على الضعفاء لبسوا لباس الورع والتقوى، وأتوا لها بمحلل شرعي يسوق لهم فأغلى لهم بضاعتهم.

ومنها أن الاختلاط موجود في الديار الإسلامية ويدافع عن جوازه علماؤهم بينما أغلال الاحتياط في أمور الاقتصاد قد عمت بها بلوى التقليد في دول العالم الإسلامي.

ومنها أن منع الاختلاط لا يحقق أرباحا مادية لأي من الأطراف المتحاورة بينما منع التمويلات وفرض قيود عليها ثم فكها بحركات بهلوانية ساذجة يتحقق بسببه نفوذ وربح عظيمين للقائمين عليه وتقوم عليه تجارة كبيرة لأصحاب رؤوس الأموال المستفيدين من ضحالة الثقافة في البلاد الإسلامية.

إن مما سُكت عنه أن إدراك مسائل الاقتصاد الشرعية والعقلية والمنطقية ليست مستحيلة ولا صعبة كما يروج لها بعض من يريدها كهنوتية غامضة، بل هي واضحة المنطق متوفرة الدلائل مطابقة للواقع، بل إنه يكاد أن يُجزم بأنها من أوضح المسائل الشرعية والعقلية لو طبق المفكرون مبدأ التخلية قبل التحلية فخلوا أذهانهم عن الموروث المتغير القائم على الاحتياط وتحلوا بالواقع الصحيح القائم على صريح الشرع والعقل.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد