Al Jazirah NewsPaper Monday  24/05/2010 G Issue 13752
الأثنين 10 جمادىالآخرة 1431   العدد  13752
 
الرئة الثالثة
كيلاَ يوصمَ أحدُنا بالتخلف!!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

 

للتخلف وجهان، ماديّ ومعنوي، (المادي) منه يتمثل في غياب أو نقص المرافق التي تخدم رفاهية الإنسان صحةً وتعليماً وزاداً وسكناً وانتقالاً واتصالاً وغير ذلك من لوازم الحياة المادية، أما (المعنوي) منه فهو الأخطر في تقديري، لأنه يستتر وراء كثبان من الجهل واللامبالاة والتسيبِ فكراً ولساناً ويَداً، وقسْ على ذلك كثيراً مما يؤذي الشعور قبل العين أو يصدمُ السمعَ أو يلطمُ الإحساس!

التخلف المادي يمكن التغلبُ عليه بإزالة الأسبابِ المحدِثةِ له عبر تأسيس المرافق التي تتطلبُها راحةُ الإنسان وتيسيرُ معاشه وتبديلُ حاله إلى ما هو أفضل مع تكثيف الجهود لتحديثِ هذه المرافق وصيانتها ليكون أداؤها محِّققاً للهدف المراد.

أما التخلف المعنوي فإزالته أمرٌ عسير، لأنه يرتبط بتراكماتٍ سلوكيةٍ معقدة نشأت عبر السنين خارج إطار السلوك السويّ، امتصَّ صاحبُها خلالها من أنماط السلوك، المرئي منه والمسموع، ما شوّه طبعه، ولوّث لسانه، وحقَنَ نفسه برؤى وتقديراتِ تكيّف تعامله مع الآخرين، يتصرف تأسِّياً بها وتحريضاً منها! وتغيير هذه (اللوحات) السلوكية غير السوية أمر ممكن في مرحلة عمرية مبكرة، من خلال الأسرة، وبيئة التربية، وأنداد الخير، أما إذا تقدم صاحبها سناً وتجربةً، فإن تغييرَ سلوكياته ترقَى صعوبةً إلى شبه المستحيل!

سأضربُ فيما بقي من حديث اليوم أمثالاً للتخلف السلوكي الذي يشين صاحبه، ثم لا يقتصرُ عليه، بل يتجاوزُه أذىً وإرهاقاً نفسياً إلى مَن سواه. تأمّلوا معي الصورَ التاليةَ للتخلف المقصود.

كلُّ من يمثل بين يدي الله في بيت من بيوته المباركة.. مرتدياً (حلّة النوم)، تزفُّه روائحُ ينفر من أذاها الخشوُع فهو متخلف! ولو ذهب ذلك المخلوق للقاء ذي شأن يرغبُه أو يرهبُه، لارتدى أبْهى ما لديه!

وكلُّ من يُقلقُ الجَارَ بنفاياته أو سيّاراته أو أذى أطفاله، فهو متخلف! فإذا جُوبِهَ فعلُه بالمثْل.. (احتج) بأن للشارع حرمةً تتصل بحرمةِ أهله.. واستشهد بنفسه مثلاً.. محَلّلاً بذلك ما أنكره على غيره!

وكلُّ من يتَعامل بعبثٍ أو تخريبٍ مع مرفق من مرافق الدولة أُنشئ في الأصل لخدمة الناس فهو متخلّف! وكأنّ بينه وبين من أنشأه خصومةً أو عداء أو ثأراً! فإذا ذكّرته أو أنْكرتَ عليه سوءَ فعله.. أسمعك من القول ما تكره، وقذفك بالتطفّل فيما لا يعنيك!

وكل من ينفق المال يُسراً على نزواته.. الظاهرة والمستترة، ويضنّ به عُسْراً على من يعول شرعاً.. أو على درب من دروب الخير أو على ذي الحاجة وابن السبيل.. فهو متخلف!

وبعد.. فما سَردتُه هنا.. قليلٌ من كثير، ممَّا يُدمي الوجدان ويجرحُ المشاعر! والعاقل المدَّكِر مَنْ تذكّر فتفكّر فاعتبر!



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد