Al Jazirah NewsPaper Monday  24/05/2010 G Issue 13752
الأثنين 10 جمادىالآخرة 1431   العدد  13752
 

دفق قلم
من يداوي مرضى غزَّة؟
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

تؤكد الأخبار الواردة من غزّة أن مخازن الأدوية فيها تعاني من نقصٍ كبير في كثير من الأدوية الضرورية التي يحتاجها مرضى يعانون من أمراضٍ صعبة، يُعدّ التقصير في توفير الدواء للمصابين بها جريمة يعاقب عليها القانون الدولي.

إنه واقع مأساوي خطير أثار عَطْف واهتمام كثير من الجمعيات والمراكز والبرلمانات في العالم الغربي، حتى أصبحت بعض الدول الكبرى تواجه أزمة الرأي الشعبي المناقض لما تقوم به من عدوانٍ باسم القانون على حقوق المستضعفين، ولكن المكابرة السياسية، وتغليب المصالح الشخصية على كل قانونٍ وعقلٍ وعُرفٍ وشرع، ما زالت تسوّغ للقانون الدولي ظلمه وجوره وازدواجية أحكامه.

لن نتحدث هنا عن القانون الدولي فيما يتعلق بغزَّة المحاصرة، فقد أقرّ بالجريمة، وسكت عنها، بل، دَعَمها وسوّغ للمجرم إجرامه، كما أصمّ أذنيه عن نداءات الهيئات الدولية للإغاثة، ونداءات المرضى والجوعى، والساكنين في العراء، من سكان غزّة الجرح والإباء.

نعم سنترك القانون الدولي جانباً، فقد غَسَل الإنصافُ منه يديه، وألقى العدلُ تراب الدَّفن عليه، ولم يعد فيه أملٌ أن يقول كلمة حقٍّ في مأساة مدينة غزّة التي أصبحت حالتها المؤسفة وثيقة إدانةٍ لنا جميعاً، ووصمة عارٍ في جباهنا جميعاً.

يستطيع ما يُسمّى بمجلس الأمن، وما تسمّى بهيئة الأمم، أن يصدرا قوانين عقوبات وإداناتٍ عاجلة، وأن يجتهدا في إقرارها وتنفيذها مباشرة مع الحرص والمتابعة إذا أراد كبار الساسة ذلك.

أما إذا لم يريدوا فلا أثر للقانون الدولي يدلُّ على المسير، ولا بعرةٌ لما يسمّى بمجلس الأمن تدلّ على البعير.

نعم، إن من الحكمة والعقل ألاّ نضيِّع الأوقات في انتظار هذه الجهات السياسية التي لا تبالي بالمظلوم مهما كانت حالتُه، وإنما تبالي بالمصالح الخاصة وإن سحقت في طريقها الأبرياء والمساكين، والأنظمة والقوانين.

مَنْ يداوي مرضى غزَّة؟

سؤال يشتعل في وجوهنا جميعاً لهباً تزيده زفرات المرضى اشتعالاً مَنْ يرحمهم من البشر إذا لم يرحمهم قومهم، وذوو قرباهم، وأمتهم المليارية الغافلة؟ كيف نواجه نحن العرب والمسلمين هذا السؤال المشتعل في وجوهنا؟ وبماذا نعتذر من أولئك الشيوخ، والكهول والأطفال الذين يعانون من الأمراض المتمكّنة من أجسادهم، ومع هذا فليس لهم من الدواء ما يمكن أن يخفف عنهم آلامهم، ويطفئ جذوة معاناتهم؟

ماذا نقول لربنا عز وجل الذي سيسألنا عنهم ونحن نراهم في سجن غزّة الكبير رأي العين، ونشاهد مأساتهم عبر الفضائيات صباحَ مساء؟

لماذا لا يتحرك أهل النخوة والشهامة، والشيمة لإنهاء هذه الجريمة؟

إنني أهيب بمن ننتظر منهم القيام بالواجب من حكام العرب والمسلمين من أهل النخوة وأصحاب القلوب التي تستشعر الخوف من الله عز وجل دون تحديد لشخصٍ بعينه أنْ يرفعوا عن كواهلهم ذلك العبء الثقيل الذي قد يقع عليها من عقاب الله عز وجل تجاه هذا الصمت المطبق الذي يسوّغ لأهل الجريمة أن يواصلوا ارتكابها، ويستمروا في القضاء على شعب بكامله دون رقيب من الأمة الإسلامية ولا حسيب.

من يداوي مرضى غزَّة؟

سؤال يعبّر عن مأساةٍ كبرى، ويجسد صورة جرح عميق، ويرفع لافتة تعرض جريمة عالمية واضحة لا تقبل التأويل.

لا بأس أن يتخيل كل واحدٍ منا نفسه أو أحد والديه أو أحد أبنائه يعاني من مرض عُضال يحتاج إلى عنايةٍ طبية ودواء، ولا نجد هذا الدواء ولا تلك العناية لأن عدواناً آثماً يحاصرنا حصاراً ظالماً، ولا يسمح لهيئة طبية بالدخول لإنقاذنا، ولا لأجهزةٍ أو أدوية طبية بالدخول إلى مستشفياتنا ومراكزنا الطيبة لنعالج بها مرضانا، كيف ستكون حالتُنا إذن؟!

بل ما الذي يمنعني أن أرفع نداء خالصاً صادقاً من هذا الموقع باسم مرضى غزّة المحاصرة إلى مقام خادم الحرمين الشريفين -وهو أهل لذلك- أن يكون له دور سريع للإنقاذ، فإن في ذلك من الأجر العظيم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل الذي دعانا إلى الرحمة، وفرضها على نفسه، واشتق منها أحب أسمائه إليه سبحانه وتعالى؟

إشارة:

كم صخورٍ تحمل الرحمة أولى

بوفاءٍ من قلوبٍ حجريَّهْ

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد