معالي وزير الثقافة والإعلام
|
الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجة سلمه الله ورعاه
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أيامكم بالمسرات.
|
ترددت كثيراً وأنا أكتب إليكم هذه الرسالة هل أبعثها على بريد مكتبكم بالوزارة، أم على بريدكم الإلكتروني، أم أسلمها لكم شخصياً وقت ما تتاح لي فرصة اللقاء بكم في إحدى المناسبات الإعلامية. هي رسالة تهمكم وزملاؤكم في الإعلام ممن خدموا هذا الجهاز المهم في أقسامه المختلفة: التلفزيون، الإذاعة، الصحافة، الإخراج، وغيرها.
|
رسالتي معالي الوزير التي آمل أن يتسع وقتكم الثمين لقراءتها ومطالعة ما تحمله من فكرة ورأي واقتراح، أنقلها على لسان كل إعلامي شاءت الظروف أن يبتعد عن هذا الجهاز، إما بسبب السن النظامي للتقاعد، أو الظروف الصحية، أو الاستقالة، أو بسبب توجه الوزارة، وخططها في ضخ دماء إعلامية شابة تواكب تطورات العصر، وبالتالي كان لابد من الاستغناء عن هؤلاء المذيعين القدامى والمعدين المخرجين.
|
معالي الوزير حرك مشاعري ومداد كلماتي لتحرير هذه الرسالة اللقاء الصحفي الذي نشرته إحدى الصحف المحلية وزيارتهم للإعلامي المخضرم القدير ماجد الشبل كبير مذيعي التلفزيون السعودي منذ انطلاقته عبر قناته الأولى في منتصف الستينيات الميلادية من القرن الماضي. وتمت هذه الاحتفالية بماجد الشبل في منزله بالرياض، وكرموه بدرع تذكاري، واطمأن الزملاء الإعلاميون على صحة ماجد الشبل، وجرى خلال اللقاء تبادل الأحاديث الودية واسترجاع بعض ذكرياته الجميلة والتاريخية مع التلفزيون السعودي.
|
مبادرة وفية من جيل شاب لم يعمل معه ولا يعرف أكثرهم ماجد الشبل إلا من آبائهم وأمهاتهم على زمن جميل بقناة واحدة وشاشة بدون ألوان، ما أحلى ذلك الزمن.
|
وقد أعرب الشبل عن سعادته البالغة بزملائه الإعلاميين، وشكرهم على حضورهم وتقديرهم له معرباً عن استعداده التام للتعاون مع أي إعلامي يستفيد من تجربته الثرية في التلفزيون السعودي التي استمرت أكثر من ثلاثة عقود، مستذكراً تلك الحقبة في التلفزيون، وكيف كانت ثرية رغم الإمكانات المحدودة في ذلك الوقت كان التنافس حميما وشريفاً، وكان الجميع يتفانى في العطاء بحثاً عن التميز، وإبراز ملكاته الإبداعية، وقد تعاقب على الوزارة أكثر من وزير بدءاً بالأستاذ جميل الحجيلان، الشيخ إبراهيم العنقري رحمه الله، الدكتور محمد عبده يماني، الأستاذ علي الشاعر، الدكتور فؤاد الفارسي، الأستاذ إياد مدني، وصولاً إلى معاليكم حفظكم الله ومتعكم بالصحة والعافية وأعانكم على حمل الأمانة.
|
من منا لا يعرف ماجد الشبل صاحب الصوت العذب المميز والبرامج الحوارية الثقافية، والمسابقات وإلقائه الشعر بصوته الشجي، من منا لا يذكر برنامج (أبناؤنا في الخارج) ومقدمته الرائعة التي كانت تحمل صوت الفنانة نجاة الصغيرة.
|
حبايبنا عاملين إيه |
في الغربة وأخباركم إيه |
مرتاحين وإلا تعبانين |
فرحانين وإلا زعلانين |
كان البرنامج يلتقي أبناءنا الطلبة في فترة السبعينيات وأوائل الثمانينات الميلادية من القرن الماضي، ينتقل ماجد الشبل ويطوف ويبحث عن الطلبة الدارسين في بلاد الغربة ويحاورهم في أمريكا وأوروبا، ينقل تحياتهم للأهل في وقت لم تكن فيه محطات فضائية ولا جوالات ولا (إنترنت) مثل هذا الزمن، بل كانت وسائل اتصال قليلة وصعبة!
|
وظل الشبل يضفي على هذا البرنامج نكهة مميزة، إلى جانب كونه مذيع نشرة الأخبار ذي الشخصية ونبرة الصوت المميزة الذي يشد المشاهد والمستمع لمتابعة الأخبار التي يقرؤها بإلقائه الرائع.
|
ذلكم هو ماجد الشبل الرمز الإعلامي الذي حاور الأديب طه حسين، والموسيقار محمد عبد الوهاب، والفنان فريد الأطرش، أيام قناة (أبيض وأسود)، وقدم برنامج المسابقات (أبجد هوز).. رغم كل هذا العطاء لم نسمع بتكريمه بعد أن غادر جهاز الإعلام وترك المايكروفون الذي لازمه طويلاً بسبب الظروف الصحية.. زاره الزملاء، وقد تعرض قبل سنوات لجلطة دماغية ما زالت آثارها باقية على جسده لكنها لم تنل شيئاً من روحه العذبة.
|
تكريم ماجد الشبل يا معالي الوزير واجب وطني له ولأمثاله من الإعلاميين القدامى الذين خاضوا تلك التجربة الإعلامية.. أين هم أولئك الذين نشأوا على صوته وذوقه وثقافته واختباراته.. إنه زمن جميل فعلاً بكل إمكاناته البسيطة ممثلاً لجيل عظيم، قام التلفزيون والإذاعة على أكتافه.. لكن ما هو التكريم اللائق به؟
|
اسمعوا صوته العذب وهو يقدم أبياتاً للشاعر المرحوم والسفير المثقف والمؤرخ (خير الدين الزركلي) صاحب موسوعة الإعلام، والوجيز في سيرة الملك عبد العزيز في القصيدة التي يقول فيها:
|
العين بعد فراقها الوطنا |
لا ساكناً ألفت ولا سكنا |
ريانة بالدمع أقلقها |
أن لا تُحس كرا ولا وسنا |
كانت ترى في كل سانحة |
حسناً وباتت لا ترى حسنا! |
والقلب لولا أنه صعدت |
أنكرته وشككت فيه أنا! |
ليت الذين أحبهم علموا |
وهموا هنالك ما لقيت هنا |
لي ذكريات في ربوعهم |
هن الحياة تألقاً وسناً |
ما كنت أحسبني مفارقهم |
حتى تفارق روحي البدنا |
يا موطناً عبث الزمان به |
من ذا الذي أغرى بك الزمنا؟ |
إلى أن قال في آخر القصيدة: |
كم ذا يغالبني ويغلبني |
دمع إذا كفكفته هتنا |
إن الغريب معذب أبدا |
إن حل لم يضعف وإن هتما |
ماجد الشبل الذي كنا أيضاً نسمع صوته في شارة ومقدمة برنامج شعري يُذاع بعد منتصف الليل عبر إذاعة البرنامج العام قبل أكثر من عقدين من الزمان، اسمه (سكن الليل) ويُقدم بصوت الزميل الإعلامي الدكتور محمد العوين أبا مشعل الله يمسيه بالخير ويقول ماجد في شارة البدء:
|
والليل يوغل في المسير |
وعيون الأنجم نشوى |
ترصد النسائم اللطاف |
وتغفو عن الشجون |
الكلمات بوح الخاطر |
وصدى الوجدان. |
أعلم يا معالي الوزير أني أطلت عليك في رسالتي هذه، وأرجو المعذرة وما أريد أن أوصله إليكم ليس فقط تكريم الشبل، بل كل أمثاله من الإعلاميين الذين زاملوه في تلك الفترة الجميلة.
|
وليسمح لي معاليكم أن أقترح فكرة برنامج حواري تلفزيوني مع أولئك الإعلاميين المخضرمين، وهم موجودون، وأن يُدرج هذا البرنامج ضمن دورة تلفزيونية تعرض على القناة الأولى، ويكون مسماه مثلاً (إعلاميون كانوا معنا) ويمكن الوصول إليهم بيسر. وكم هي لفتة كريمة من التلفزيون تبدأ بالوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة ومن ثم الإعلاميين، وأقترح أن يقدم البرنامج المذيع المميز خريج اللغة العربية الدكتور محمد العوين لما له من خبرة طويلة وكونه عاصر الجيلين السابق والحالي، كما أن لديه حصيلة وتجربة أدبية ثرية، وضيوف البرنامج ما شاء الله كُثر، وأنتم يا معالي الوزير تعرفونهم وأنت ابن الإعلام قبل ثلاثة عقود عاصرتم وعملتم مع الوزير الدكتور محمد عبده يماني في ذلك الوقت، ومن ثم غادرتم الإعلام، وخضتم مجال العمل السياسي أعانكم الله سفيراً للمملكة في أكثر من بلد بعدها عدتم إلى الإعلام نبعاً فياضاً ولاسيما أنكم تفتحون أوسع الآفاق أمام كل فكر جديد.
|
ولعلي أذكركم ببعض زملائكم الإعلاميين القدامى الذين يستحقون اللقاء والحوار والمقابلة، لنستمع ونستمتع بتجاربهم الثرية ومنهم على سبيل الأمثلة:
|
الدكتور زهير الأيوبي (أبو المجد) الذي تولى منصب مدير عام الإذاعة والتلفزيون فترة حكم الملك فيصل، هو صاحب البرنامج التلفزيوني المميز (مجالس الإيمان) الدكتور علي النجعي. الدكتور بدر كريم مذيع الملك فيصل.
|
وتعلمون أن والدي الشيخ محمد الهويش متعه الله بالصحة والعافية عاصر بداية الإذاعة والتلفزيون والتحق بالإذاعة متعاوناً منتصف الثمانينيات الهجرية 1385هـ، وكان يُعد ويقدم برامج وأحاديث دينية، ثم عمل مديراً للبرامج الدينية واللغوية في الإذاعة واستمر مع الإعلام قرابة خمسة وثلاثين عاماً، وغادر الوزارة بنهاية عام 1420هـ بعد أن عاصر خمسة وزراء هم الدكتور محمد عبده يماني، الأستاذ علي الشاعر، الدكتور فؤاد الفارسي.
|
ومن ضمن كوكبة أصحاب التجارب الثرية التي تستحق اللقاء أيضاً الدكتور محمد صبيحي الذي نسمع صوته في دعاء السفر بالطائرة، والدكتور علي الخضيري صاحب برنامج (مسابقات رمضان للكبار) والأدعية والأحاديث عبر الإذاعة، والأساتذة صالح السويدان، غالب كامل، ميسر سهيل، حسين نجار، عدنان الدبسي، وغيرهم.
|
كما أن للتلفزيون يا معالي الوزير تجربة مشجعة في مثل هذه البرامج، وكلها ناجحة، فهناك برنامج رياضي يقدمه الزميل عبد الله الحصان، ويعرض على القناة الرياضية اسمه (سيرة) يلتقي فيه باللاعبين القدامى أيام زمان قبل ثلاثة وأربعة عقود من الزمان من كل نوادي المملكة، وقد حدثني الزميل عبد الله الحصان معد ومقدم البرنامج بأنه يبذل جهداً ووقتاً في إعداد هذا البرنامج والبحث عن ضيوفه اللاعبين الذين تركوا الملاعب من عقود لصعوبة معرفة هواتفهم وعناوين منازلهم، ويقول لي إن البعض منهم يعتذر ويرفض الظهور بحجة أن ليس عندي ما أقدمه للمشاهد، ولكن بالمحاولات والإصرار من فريق البرنامج يوافق هذا الضيف بعد الإقناع ويؤكد الزميل الحصان أن هذا التعب والجهد يزول لأن هذا البرنامج له صدى واسع لدى محبي الرياضة.
|
ومن البرامج أيضاً عرض التلفزيون في دورة سابقة على قناة (الإخبارية) برنامج رجال من الذاكرة قدمه الصحافي الزميل حاسن البنيان. وكان لهذا البرنامج نجاح وصدى واسع.
|
وأيضاً تعرض القناة الأولى في دورتها الحالية برنامج اسمه الزمن الجميل يعده ويقدمه الإعلامي القديم خالد اليوسف يقدم فيه مقتطفات من برامج التلفزيون على مدى أربعين سنة بما في ذلك الحوارات التلفزيونية، مسلسلات، أغاني أيام زمان، وله متابعون كثر وينتظرونه كل أسبوع ومدة عرضه قرابة الساعة، فتحية شكر وتقدير للإعلامي الغائب خالد اليوسف.
|
والحديث بالحديث يذكر يا معالي الوزير وما دمنا نتحدث عن هؤلاء الإعلاميين وعن هذه الفكرة، فاسمحوا لي أن أعود بذاكرتكم إلى الوراء نحو ربع قرن من الزمان. لعل هذه الفكرة تفيد في البرنامج المقترح. وقتها كنت طالباً في المرحلة الجامعية، في قسم الإعلام وكان رئيس القسم الدكتور عبد القادر طاش رحمه الله وعرفته عن قرب وتتلمذت على يديه في أكثر من فصل دراسي. وكان وقتها شعلة من النشاط والإبداع والتألق والحماس، لذا شجع الكثير من الزملاء على ممارسة العمل الصحافي والإذاعي بكل فنونه. واستطاع أن يجنب طلابه الدراسة الروتينية، كان طاش يرى أن الدراسة النظرية لا تكفي وأنه لابد من تطبيق التخصص وممارسته عملياً.
|
فاتصل بالإعلاميين كل في تخصصه للاستفادة من خبراتهم بمن فيهم رجال الإعلام، أساتذة في التلفزيون والإذاعة والصحافة ليطور تلك الكلية ويجعل خريجيه رجال إعلام تطبيقيين مميزين.
|
ويسجل للدكتور طاش (أبا عادل) أنه بحسه الإعلامي وبعلاقاته واتصالاته قد نجح باستقطاب مجموعة إعلامية وكوكبة مميزة، ويعتبر الرائد في هذه الفكرة التي لم يسبقه إليها أحد من كليات الإعلام بجامعات المملكة. وقد كان لطاش ما أراد، حيث رحبت بعض الوجوه الإعلامية المميزة بتقديم محاضرات إعلامية طوال فترة الدراسة الإعلامية، وأصبح هؤلاء أساتذة ضمن أعضاء هيئة التدريس بالجامعة فيما بعد وأذكر منهم الدكتور زهير الأيوبي الدكتور علي النجعي الدكتور علي الخضيري الدكتور كريم الدكتور عايض الردادي ومن خارج الوطن الدكتور سمير حسين العميد السابق لكلية الإعلام في جامعة القاهرة، ومن الأساتذة الأديب والشاعر والكاتب عبد الرحمن العشماوي الذي يدرس مادة النقد والبلاغة، والأستاذ إبراهيم أبو عباة وقتها كانا محاضرين لم يحصلا على شهادة الدكتوراه والأستاذ داوود الشريان يدرس مادة (فن الخبر والتحقيق الصحافي) والأستاذ محمد الوعيل والأستاذ جاسر الجاسر قدما عددا من المحاضرات الإعلامية، وغيرهم.
|
إضافة إلى هذا الجهد للدكتور طاش فقد كان يشارك في تدريس بعض المواد الإعلامية، ويشارك بقلمه الرصين في بعض الصحف بطرح وتبني العديد من القضايا الجادة، حيث كان صاحب قلم رشيق، وأسلوب سلس: كان كاتباً ومحققاً ومحاضراً ومحاوراً فهو مفكر ورجل إعلام وصاحب نظرية إعلامية إسلامية رشيدة، وفكر إعلامي عميق وسديد.
|
إنه رجل غزير في الإنتاج، يكتب ويبحث ويناقش رسائل الماجستير والدكتوراه، راقياً في فكره، إنساناً في نبله، حليماً طموحاً محباً للجميع رحمه الله.
|
ختاماً يا معالي الوزير.. أرجو المعذرة مرة أخرى إذ أطلت عليكم الحديث.. وكل ما أرجوه هو أن تشملوا فكرة تكريم المبدعين بعنايتكم السديدة، وأنتم الأديب والشاعر والإنسان الحساس المبدع، الذي يعرف للإبداع حق قدره، وأن الوفاء شيمة الأوفياء، إن تكريم ماجد الشبل وزملاؤه وأقرانه من المبدعين مبادرة حضارية وإنسانية لا يجب أن يغفلها تلفاز (مملكة الإنسانية).
|
(*) الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) الرياض |
|