Al Jazirah NewsPaper Wednesday  26/05/2010 G Issue 13754
الاربعاء 12 جمادىالآخرة 1431   العدد  13754
 
هكذا عدت طفلاً
عبدالكريم بن صالح المقرن

 

يؤكد بعض الناس أن الرجل مهما تقدم به العمر فإنه لا يزال طفلا بين يدي أمه، لا سيما حين يبوح لها بهمومه وآلامه وآماله ويبدو أن هذا الكلام صحيح فعلاً، والذي دفعني لهذا الكلام هو موقف أراه جديرا بنقله إلى القراء، فقد حدث ذات ليلة مطيرة مباركة على مدينة الرياض أن انتهيت من تقديمي لبرنامج (فتاوى على الهواء) على شاشة التلفاز، ولأنني أعلم أن الدعاء وقت نزول المطر مستجاب، وكنت لم أهاتف والدتي - على غير العادة - وأنا أعلم وأرجو أن تكون دعوتها مستجابة. لذا فقد عزمت، وحزمت أمري، وقررت أن أزورها في تلك الليلة الممطرة رجاء أن تدعو لي. وقفت عند مخبر تميس مزدحم بالزبائن الذين بدت عليهم علامات السرور بالمطر، فاشتريت رغيفين ساخنين، ومن محل تموينات ابتعت بعض المواد الغذائية، واتجهت الى بيت والدتي، ولم يكن عندها - لحسن حظي - أحد من إخوتي أو أقاربي إلا أختي وبنتها، وهما اللتان تقومان على خدمة والدتي على مدار الساعة - جزاهما الله خير الجزاء - .

جلست مع أمي التي استقبلتني بالبشاشة والترحاب سارعت أختي بإعداد العشاء فتناولنا جميعا الطعام، وحمدنا الله، وشكرناه على آلائه وهنا مالت علي والدتي وأسرّت لي برغبتها في أن أبيت عندها لاشتياقها إليّ، ورغبتها في أن تكلفني ببعض الحوائج، كدت أطير فرحاً، وافقت فوراً، وجلست إلى جوارها في هدوء الليل، تحدثني عن ذكرياتها وما لاقته من شظف العيش في أول حياتها الزوجية، ومع ذلك فقد كانت لها ذكريات جميلة مع والدي ظلت تحدثني وهي تحمد الله على نعمه - خاصة صلاح الأولاد - حتى انتصف الليل، وبدأ النوم يغلبها نزلت أقبل قدميها وتركتها لتنام، ونمت قرير العين في الغرفة المجاورة، انتبهت حوالي الرابعة فجرا على صياح ديك عند الجيران، قمت من فراشي وألقيت نظرة على والدتي فإذا هي على كرسيها تصلي قبل الفجر، خجلت من نفسي، وقلت امرأة قاربت التسعين تقوم الليل وأنت نائم، صليت ركعتين ثم ذهبت إلى المسجد فصليت الفجر مع الجماعة، ثم عدت إلى أمي التي طلبت مني أن أستكمل نومي وراحتي. وبالفعل نمت حتى استيقظت في التاسعة والنصف، فتناولنا جميعا طعام الإفطار، وأنا في غاية السعادة، كنت أشعر بأنني طفل أمامها، وهي تحنو علي وتغمرني بمشاعر الأمومة الرحيمة الرقيقة، هنا أيقنت حقا أن الرجل مهما كبر فإنه لايزال طفلا أمام والدته، تسبغ عليها من عطفها، وتغمره بحنانها.. فعلاً لقد كنت طفلا أمام والدتي في تلك الليلة، واليوم وأنا أتذكر ذلك الموقف لا يسعني إلا أن أدعو لوالدتي حفظها الله، ووالدي رحمه الله، فأقول من كل قلبي (رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)



abdulkareem-almgren@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد