Al Jazirah NewsPaper Wednesday  26/05/2010 G Issue 13754
الاربعاء 12 جمادىالآخرة 1431   العدد  13754
 

الداله... السالي..واللي من العقل مسلوب
مبالغة لفظية طابعها تقليدي بحت

 

مما لا شك فيه أن العقل نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى أنعم بها على البشر وميزهم عن سائر المخلوقات. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتمنى أي شخص زوال هذه النعمة العظيمة وهذه حقيقة لاتحتاج إلى استطراد. ولكن ربما نسمع من خلال بعض النماذج الشعرية ما يناقض هذه الحقيقة المسلمة وهذا بطبيعة الحال لايمكن أن يكون عن قناعة بقدر ما هو مبالغة لفظية فيها نوع من التنفيس الناتج عن معاناة ربما تكون قاسية أحياناً، بالإضافة إلى أن مرد ذلك التطرف اللفظي قد يعود إلى نهج وثقافة تقليدية درج عليها البعض من شعراء العامية يقول الشاعر عبد الله بن ربيعة

المستريح اللي من العقل مسلوب

وان شفت لك عاقل ترى الهم دابه

ان دك به هاجوس ما يسمع الطوب

والى انتبه ماجابت الورق جابه

ولو أمعنا النظر في البيت الأول لوجدنا فيه تباينا حيث إن شطره الأول وعلى الرغم من تكراره من قبل أكثر من شاعر لا يعتمد على نظرية مطلقة بقدر ما هو ردة فعل لما سبق أن ذكرناه آنفا. فلا أحد يعلم مدى الراحة التي يتمتع بها من سلب عقله فربما تكون معاناته أشد وأشرس. بالإضافة إلى أن هناك ما يناقض ذلك فالمثل العامي الدارج يقول (أهل العقول براحه) ويؤيد هذا القول قول الشاعر عقوب الحميداني حينما يقول

رجل بليا عقل واعزتي له

دلو على الجيلان غادي تشاليق

أما الشطر الثاني من البيت فبدون شك أنه يشخص الواقع في هذه الحياة ويماثله في ذلك قول المتنبي

ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله

وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم

اما الهم فهو زائر ثقيل ودائماً ما يعاود الأنسان في كثير من مراحل حياته والهموم بطبيعه الحال مختلفة ومتفاوتة من شخص إلى آخر ولو استعرضنا الكثير من قصائد الشعراء سنجد أن جل هذه المعاناة عاطفية وتدور في فلك العشق والغرام. علماً بأن أكثرها لايدل على معاناة حقيقة بقدر ماهي تقليد لنهج درج عليه الكثير من شعراء العامية وهذا طبعا لا ينطبق على الجميع فهناك حالات أوصلها العشق إلى درجة الجنون كما هو الحال لدى (ابن عمار) صاحب الألفية المشهوره كما أنه قد يفضي إلى الهلاك كما حصل للمطوع (عبد الرحيم التميمي) و(محيسن السرحاني) وأمثالهم وقد يفقد الشخص حياته بسبب مغامرة غير محسوبة سببها العشق مثل (عامر الخفاجي) ولكن تظل تلك النماذج محدوده. وبما أن الشعراء يبالغون في آرائهم ويشطحون في بعض مفرداتهم سنجد أنهم يستخدمون مفردات قد لاتكون مقبولة وفيها نوع من الحدة والاستفزاز مثل كلمة (دحش -دب - خبل)

يقول الشاعر سليمان بن شريم

هني دحش دب الايام سالي

ما ولعه طرد العماهيج واغواه

ولا صلاه من التصاريف صالي

وذاق الفراق وتاه مثلي بمسراه

فقد جنح (ابن شريم) بتضمينه لكلمة (دحش) كوصف غير مقبول مع قناعتي التامة من أن ابن شريم من أفضل من أنجبتهم الجزيرة العربية في الشعر النبطي. وقد جاراه البعض من الشعراء في هذا الوصف يقول الشاعر إبراهيم بن سيف - رحمه الله-

هني دحش مستلذ بدنياه

ماليعه مثلي فراق المواليف

أما الشاعر الوجداني المعروف (عبد الله بن سبيل) فلم يكن بعيدا عن هذا النهج ولكن بطريقته الخاصة حيث يقول

هني من قلبه دلوه وممنوح

حاله كما حال البغل من غذاها

بين الاظلة كنه السدو مطروح

همه رقاده والروابع نساها

ولكن ابن سبيل يعود أكثر رقة وعذوبة من خلال قوله

هنيت من قلبه دلوه ومدلاه

ماصفقت به رابعه ولعبت به

ويجاريه في هذا النهج الشاعر(عبد العزيز البراهيم السليم) - رحمه الله- حينما يقول

هني قلب داله ومتعافي

ماصكته بقعاء ولا قيل شفها

ماولعنه لابسات الغدافي

بيض الخدود اللي ضميري هدفها

فكلمة (داله) تبدو لطيفة ومقبولة بدلاً من الكلمات والأوصاف الآنفة الذكر. ولعلنا نجد أن هناك رابطاً متيناً بين المعاناة والسهر فالسهر هو نديم العشاق ومبعث شجونهم ففي هدوء الليل وسكونه يهرب النوم من عيونهم وليس لهم سوى مراقبة النجوم في ليالي الصيف حينما تكون السماء صافية ولعل البعض منهم يخشى قدوم الليل كما يعبر عن ذلك الشاعر(سليمان الجطيلي) وهو من شعراء الرعيل الأول..يقول

اقبل سواد الليل لا مرحبا به

على العيون اللي تعد الرقايب

لا نام كلن بالكرى واهتنى به

انا عيوني عنهن النوم غايب

وفي مثل ذلك يقول الشاعرسليمان ابن شريم

احسب نجوم الليل ما بان واختفى

فلا غاب نجم الا وانا اشاهد الثاني

وفي هذا السياق يقول ايضا الشاعر عبد العزيز السليم

يادحيم جفني حريب النوم

مازل نجم ولا غابي

الا ونا اشاهده ملزوم

اسهر سهر معلق النابي

والليل دائما مايكون طويلا على من يعاني السهر ويجافيه النوم وفي المقابل يكون قصيرا على من يتمتع براحة البال بحيث يكون نومه هادئاً وعميقاً يقول (عبيد العلي الرشيد) بعد أن طلق إحدى زوجاته وندم على ذلك بعد أن تزوجها زامل السبهان

ليلي طويل وليل زامل قصيري

هذي تدابير الولي يا بن سبهان

والمعاناة تأخذ اشكالاً متعددة وتتفاوت من شخص لآخر فمتاعب الحياة مختلفة ومتباينة فكل يغني على ليلاه..ولقد قال الشاعر أبو العلاء المعري

كل من لاقيت يشكو دهره

ليت شعري هذه الدنيا لمن

ويماثله في ذلك قول الشاعر سليمان ابن شريم

فلا حي الا يشتكي من صوابها

من خلقة آدم لين ما يبعث الفاني

ولعل الشاعر(سليمان ابن شريم) قد جسد المعاناة وضمنها في بعض قصائده ولعله -رحمه الله- كان يشعر بالغبن من هذه الحياة التي لم ينل منها مايرضي طموحه وتطلعاته وذلك نابع من اعتداده بنفسه يقول في إحدى قصائده

عفى الله عن عين وجعها يعودها

كثير مراعاها قليل صدودها

الى بغت تدله نهار تذكرت

زمان تريده من ليالي سعودها

الى هجعت من تالي الليل ساعه

شهر من دهرها حرق الماء خدودها

وقلب صبور مثل مايصبر الصفا

على مايصيبه من صواعق رعودها

وكبد على فاقاتها تشرب الطنا

من الكره لين انه برى الهم عودها

وكما أسلفنا فالهموم والتطلعات تختلف من شخص لآخر حسب ماتمليه ظروف الحياه وتقلباتها..ولكاتب هذه السطور أبيات في هذا الجانب نورد منها.

هني قلب داله دايم الدوم

تمضي حياته بين ضحك او وناسه

خالي ولاعنده هواجيس وهموم

الى شرب فنجال طير عماسه

لامشغل فكره ولاهوب ملزوم

بمتابع اخبار الفضا والسياسة

بالليل له راس مثل راس حموم

اللي خذا الشهره بكثرة نعاسه

عقب العشاء يطرب ويشتاق للنوم

يغط في نومه الى حط راسه

وحموم بالميم المشدده شخصية معروفه اشتهر بكثرة نومه وهو الذي عناه الشاعر الكبير محمد العبدالله القاضي والذي سبقني لذلك بقوله:

لو اتمنى قلت ابي راس حموم

بالليل ولا بالنهار ابي راسي

ويبدو أنه -رحمه الله- قد أضناه السهر وأراد أن يستغني عن رأسه المثقل بالهموم وذلك بالليل فقط أما في النهار فلن يرضى عنه بديلا وهو الذي نفل جيله بالمعرفة والاطلاع بالإضافة إلى شاعريته الفذة مما خلد اسمه من ضمن أساطين الشعر النبطي في الجزيرة العربية.

صالح بن عبد الكريم المرزوقي

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد