الجزيرة - إيمان البحطيطي :
أصبحت الضغوط النفسية سمة العصر الحديث، وأحد تلك الضغوط يأتي نتيجة بيئة العمل غير الصحية والتي يمثل فيها الموظف وقتاً طويلاً من يومه، والكثيرون هم من يرجعون الضغط النفسي والعصبي إلى الإدارة التي يعمل تحتها الموظف .. فهل هناك سمات معيّنة للإدارة الناجحة، لكي يصبح العمل متعة ويكون الموظف قادراً على العطاء؟ وهل يتحوّل الإحباط والإخفاق الذي يشعر به بعض الموظفين إلى شعلة من الحماس من خلال الإدارة الناجحة ؟
حول هذا الموضوع تحدث ل(الجزيرة) أ. د سالم بن سعيد القحطاني - أستاذ الإدارة ومساعد وكيل جامعة الملك سعود للتطوير والجودة تعرف الإدارة الناجحة بأنها تلك الإدارة التي تحقق الأهداف القصوى التي وجدت من أجلها، وتحقق رضاء المستفيدين من الخدمات التي تقدمها، سواء كانت هذه الخدمات ملموسة أو غير ملموسة، ومن هنا يمكن أن تعرف الإدارة الناجحة بمدى رضى المستفيدين من خدماتها عن هذه الخدمات، فإذا كان راضياً جداً وبدرجة عالية تكون هذه الإدارة ناجحة، وإذا كان غير راض، أو راضٍ رضاء متوسطاً تكون ناجحة بدرجة متوسطة، وإذا كان غير راضٍ تماماً تكون إدارة غير ناجحة وبمعنى آخر إدارة فاشلة.
وبكل تأكيد لا يشترط للإدارة من هو أكبر سناً .. هذا ما أوضحه د. سالم عن سؤاله هل يشترط للإدارة من هو أكبر سناً، وقال هي ليست إمامة في الصلاة ولكن يشترط للإدارة الأكفأ، وإذا تساوى المرشحون للمناصب الإدارية لرشحنا من هو أكبر سناً بحكم أنه من الممكن أن يكون صاحب تجربة ثرية ولديه تجربة فريدة، إنما ترشيح من هو أكبر في السن فقط لا يحقق لنا إدارة ناجحة بأي شكل من الأشكال، وإنما قد يعيق التقدم في السن نجاح هذه الإدارة إن لم يكن الشخص كفؤاً لأنّ التقدم في السن يعني أنه مرّ بتجارب وخبرات اعتاد عليها، وبالتالي قد يعارض بعض التطوّرت، ولكن إذا قلنا إن الاختيار يكون بالكفاءة فربما إنّ الأكبر سناً قد يكون يرجح كفته الخبرات والتجارب التي مر بها. أما إذا أصر الإداري على عدم التجديد يقول د. القحطاني بكل تأكيد هذا هو أول مسمار في نعش التطوير والتقدم والإبداع، فإذا أردنا أن نغير ونطور، فهناك شرط أساسي وهو لابد أن تكون القيادة العليا والإدارة والإداريون مقتنعون تماما بأهمية التطور والتغير، صحيح أن الإنسان دائماً عدو ما يجهل وصحيح أنه يألف الأوضاع التي يعيش عليها ويألف الأشخاص الذين يتعامل معهم والطريقة التي يعمل بها، ولكن إن لم يكن الإداري كفؤاً فلن يكون لديه الشجاعة على المغامرة، ولن يكون لديه الشجاعة على التغير ولن يكون لديه الرغبة والمخاطرة بإجراء التغيرات والتعديلات، وفي قطاع الأعمال يقولون كلما ارتفعت المخاطرة زاد الربح، وكذلك بالنسبة للإداري الناجح هو الذي يغامر ويخاطر ويدرك إذا نجح في تجريب طرق وأساليب جديدة، فسوف تحقق له مزيداً من النجاح والإبداع والتطور وبالتالي يقدم عليه، وعلى عكس هذا الإنسان لا يمكن أن ينجح في إدارته أو مؤسسته.
الكراسي والمناصب
كيف يتصرف الموظف مع الإداري الذي يقتل طموح الشباب بدعوى أنه لا توجد لديهم الخبرة الكافية .. يقول د. سالم: للأسف الشديد عينة كبيرة هذه الأيام والسبب الرئيسي قد يكون أحيانا خوف هؤلاء الإداريين على كراسيهم ومناصبهم من هؤلاء الشباب الطموحين الذين لديهم الكثير من الأفكار الجديدة والمبدعة وذات تطورات كثيرة لأنها قد تحدد مناصبهم، ولكن كيف يتعامل الموظف مع هؤلاء أولا: الشيء الذي انصح به أنه يجب أن يتمتع بالصبر والجلد والحمد لله أننا مسلمون ولنا في كل مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فنحن نعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة وجد من قريش المقاطعة والمهاجمة ووضع الشوك في طريقه وسباً وشتماً، ولولا هذا الصبر لما كنا نعيش في ظل هذا الدين الحنيف، فالموظف الذي يتعامل مع هؤلاء المديرين هو أن يكون صادقاً وان يحاول، ويقولون في المثل العربي ( من أكثر الطرق على الباب ولج) فالشخص كلما حاول أن يطرح أفكار ويقدمها ويطرحها بأشكال معينة فسيجد أذان صاغية من هؤلاء المديرين الذين يهاجمون الأفكار، أضف إلى ذلك شيئاً آخر أنه يجب أن يقدم هذه الأفكار بطريقة دبلوماسية بأن يقدم هذه الأفكار بعد مناقشتها مع هؤلاء المديرين وكأنها مبنية على توجيهاتهم أو كأنها صادرة منهم فنشعرهم بأن هذه الأفكار هي نتاج توجيهاتهم ونتاج للحديث معهم وبناء على اقتراحاتهم وبالتالي يقتنعون بها.
ثقافة الإبداع
وأضاف د. القحطاني بأن الحديث دائما مع الزملاء ومحاولة نشر ثقافة الإبداع والتغير وإقناع المحيطين به قبل أن يقنع مديره لأننا أحي أنا نستعجل حصول النتائج لذلك يجب إقناع القريبين قبل إقناع البعيدين.
وأخيرا هي أن لا تترك هذه الأفكار حبيسة الأدراج بل تنشر في الصحافة ولكن بشرط ألا يكون فيها تشهير أو تشير إلى المنظمة أو المدير وإنما كأفكار تطويريه إلى الأجهزة الإدارية بشكل عام، أو تكتب حتى للإدارة العليا كمقترحات وقد تكون باسم مجهول.
الجفوة والاستعلاء
نجد بعض المديرين يتكلمون بجفوة واستعلاء فهل هذا شرط للإداري الناجح ؟ أبان د. سالم أن العكس تماما هو شرط الإداري الناجح وهو التواضع فمن تواضع لله رفعه وعندما يتواضع الإنسان يقرب إلى الناس ويحبب الآخرين فيه، أنا من تجربتي الشخصية وجدت أن البعض يكون أدمي وبمجرد تعينه على وظيفة أعلى أو منصب إداري تجدهم يتفيرون 180 درجة فبدل أنه الزميل الحبيب الطيب بين عشية وضحاها أصبح ذلك المدير المتعجرف القاسي حتى أنه ربما لا يرد السلام أو الكلام وهذا يدل على أن هؤلاء الأشخاص لا يملؤون الكرسي الذي وضعوا عليه، بمعنى أنهم أقل من المناصب التي وضعوا فيها وحتى يكملوا هذا النقص يتعالون على الآخرين.
الوقت المناسب
يعتقد البعض أن إبداء الملاحظات والحوار البناء يعد خطأ من قبل الموظف حول ذلك أجاب د. سالم بأنه لا يعد خطأ ولكن الخطأ ربما في اختيار الأسلوب الذي يتم به الحوار والذي يقوم بطرح المشاكل به ففي بعض الأحيان الموظف لا يحسن اختيار الوقت للنقاش أو لا يحسن اختيار الكلمات في نقاش الأفكار وربما لا يحسن اختيار الكلمات في نقاش الأفكار والحوار، فقد نجد أحيانا الموظف يحاول محاورة المدير والمدير يكون في اجتماع أو مشغول بموضوع معين، نحن في النهاية بشر لدينا أولويات فربما يرده المدير فيعتقد البعض أن المدير لا يحب الحوار أو لا يحب النقاش، إذا اختار الشخص الوقت المناسب وطرح أفكاره بالأسلوب المناسب وأشرك الطرف الآخر في القضية وليس الأمر مجرد أن هذا الشخص يرى أن لديه أفكاراً وأنه صاحب فلسفة إدارية، ويبدأ كما لو كان ينظر إلى المدير، فبالتأكيد أن المدير سوف يرفض هذا الأسلوب، إنما الحوار والنقاش بين الموظف والمدير في الوقت المناسب والأوضاع المناسبة، أعتقد أن هذا هو المطلب.