Al Jazirah NewsPaper Friday  28/05/2010 G Issue 13756
الجمعة 14 جمادىالآخرة 1431   العدد  13756
 
كراسي البحث العلمية في الجامعات السعودية تجربة واعدة ومشرقة
د. عبد المجيد بن محمد الجَّلال

 

تُعد كراسي البحث العلمية على مستوى المنظومة العالمية من الأوعية الاستثمارية المهمة لدعم وتمويل البحث العلمي في الجامعات والمعاهد والمراكز والمؤسسات البحثية. وتزخر منظومتها البنيوية بكفاءات علمية لها إسهامات كمية ونوعية عالية في مجال البحث العلمي المتخصص. وهي نتاج وثمرة للشراكة المجتمعية الفاعلة، بين المؤسسات البحثية وجهات الدعم والتمويل بأنماطها الفردية أو الاعتبارية من المؤسسات الحكومية والأهلية والأفراد.

وقد كان للحضارة الإسلامية في عصورها الغابرة قصب السبق والريادة في دعم وتشجيع جوانب المعرفة في مجالات التأليف والترجمة والإبداع الفكري. وكان ريع الأوقاف يُشكِّل أبرز موارد التعليم في تاريخ الحضارة الإسلامية، وأكثره تنوعاً، إضافة إلى الهبات والمنح والتبرعات والجوائز النقدية المقدمة من قبل الحكام والولاة والوزراء وأصحاب الوجاهة والمال ونحوهم.

وتشير القراءات التاريخية عن الفترة الزمنية لظهور الكراسي العلمية بمفهومها المعاصر إلى عصر النهضة الأوروبية في القرن السابع عشر الميلادي. وقد كان كرسي «هنري لوكاس» في جامعة كمبردج بإنجلترا أول وأشهر كراسي البحث العلمية.

من أبرز أهداف تأسيس كراسي البحث إنشاء بيئة علمية مستوفية العناصر والأركان للدفع قدماً بنوعية وكفاءة المدخلات والمخرجات البحثية، بما يسمح بتحقيق مؤشرات إنجاز متقدمة في قضايا التنمية المستدامة، وسائر الاهتمامات والاحتياجات المجتمعية.

بما يخص التجربة السعودية في الاهتمام بإنشاء كراسي البحث العلمية، لم يكن الحراك في البدء على صعيد الجامعات السعودية، بل كان بصبغة عربية وعالمية، حيث أنًّ نظام هذه الجامعات لم يكن يسمح بقبول تبرعات أو هبات أو مصادر تمويل إضافية. وقد استهدف هذا الحراك، في عددٍ من العواصم العالمية، إبراز أدوار المملكة كقاعدة إسلامية متقدمة، في العمل على تعزيز حوار الحضارات، وإبراز مبادئ الديِّن الحنيف وقِيمه العليا الداعية إلى الخير والمحبة والسلام،

والتعايش السلِّمي بين الأديان والثقافات الإنسانية المختلفة.

ومن أبرز الكراسي العلمية السعودية في الخارج : كرسي الملك عبد العزيز في جامعة كاليفورنيا، وكرسي الملك فهد بن عبد العزيز في جامعة هارفارد، بالولايات المتحدة الأمريكية، وكرسي الملك فهد بن عبد العزيز للدراسات الإسلامية في جامعة لندن بإنجلترا، وكرسي خادم الحرمين الشريفين في جامعة الخليج بمملكة البحرين، وكرسي الأمير سلطان بن عبد العزيز للدراسات الإسلامية والعربية في جامعة بركلي بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وكرسي الأمير نايف بن عبد العزيز لتعليم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة موسكو بروسيا الاتحادية. وإثر صدور اللائحة الموحدة للجامعات السعودية، والتي أتاحت لها الفرصة في إيجاد مصادر تمويل إضافية لمناشطها البحثية، أخذت وتيرة العمل والحراك في هذا الاتجاه تزداد تألقاً وعنفواناً عبر بوابة الشراكة الفاعلة بين الجامعات السعودية وعِدَّة مؤسسات عمومية ومجتمعية، ومن خلال جهود حثيثة لبناء منظومة بحثٍ علمية وإدارية وفنية عالية الجودة، قادرة على إجراء الدراسات النظرية والتطبيقية بتقنية عالية، وتحقيق أفضل قيمة مضافة ممكنة في مجالات العلوم والمعرفة، بمختلف التخصصات التي تلامس الاحتياج المجتمعي الفعلي، ومنها: الدراسات الإسلامية، والتاريخية والبيئية ودراسات: الأمن الفكري والوحدة الوطنية والطب والصيدلة والاقتصاد والإدارة والاستثمار والعمارة والتخطيط والحاسب وتقنية المعلومات والإعلام والعلوم والرياضيات والتربية....

إلى جانب العناية ببناء وتنفيذ البرامج المصاحبة للجهود البحثية، مثل: برامج التدريب، والخدمات الاستشارية، والمنح الدراسية للمتميزين والمبدعين بمختلف التخصصات المطلوبة. وإعداد وتنظيم الفعاليات المصاحبة، مثل الملتقيات والمؤتمرات والندوات وحلقات النقاش. وقد انطلقت أولى المبادرات المحلية في تأسيس الكراسي العلمية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الخبر بالمنطقة الشرقية، وجامعة الملك عبد العزيز في جدة بمنطقة مكة المكرمة، وجامعة الملك سعود، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في مدينة الرياض. ثمَّ امتدَّ هذا الحراك ليشمل المزيد من الجامعات السعودية. وقد انفردت جامعة الملك سعود بإنجاز وتأسيس أكثر من «55» كرسي بحث بمجالات وتخصصات متنوعة.

ولعلَّ من العناصر الإيجابية التي تدفع بتطوير مدخلات الكراسي العلمية السعودية ومخرجاتها، العناية بتوسيع دائرة الاستفادة من التجارب والخبرات الأممية في هذا المجال. ومن هذه التجارب الناجحة: تجربة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم - المعروفة اختصاراً ب «اليونسكو» - في تدشين الكراسي العلمية، عبر منظومة متكاملة للتعاون والتكامل وتبادل الخبرات، وبما يثري التجربة السعودية حديثة العهد والنشأة. علماً بأنَّ كراسي اليونسكو قد انتقلت تطبيقاتها الناجحة إلى العديد من الجامعات العالمية العريقة. وإلى معظم الدول المتقدمة والنامية، ومن ضمنها العديد من الدول الإسلامية والعربية.

في المحصلة النهائية ينبغي التأكيد على أنَّ تعزيز بنية ومخرجات كراسي البحث، سوف يسهم في بناء قاعدة صلبة من الدراسات النظرية والتطبيقية والإحصائية المتكاملة والدقيقة، تنعكس إيجاباً على أهداف التخطيط وبرامجه وتطبيقاته، على المستويين القطاعي والكلي، وعلى تحقيق تقدم ملموس في معالجة قضايا التنمية المستدامة، ومتطلبات الاستغلال الأكفأ للموارد والإمكانات المتاحة.

من مأثور الحِكم

كُلُّ إِنَاءٍ يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ فِيهِ إِلاَّ وِعَاءُ العِلْمِ فَإِنَّهُ يَتَّسِعُ.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد